أقصد العلماء بما يعطيه حاقّ الكلمة من معنى ـ و غزارة إنتاجهم و دقّته و نزاهته ، و ليفتّش عن سببه .. فإنّه واجد من أهمّ أسباب ذلك أنّهم كفوا مؤونة عيشهم فانصرفوا إلى علمهم و انقطعوا إليه فأجادوا وأفادوا.
وكان لهم من استقلال الفكر و حرية النظر مالا نظير له ، لاستقلالهم الإقتصادي عن المتموّلين ، و غناهم عن المرتّب والوظيفة.
وليرجع القارئ بصره إلى من كُفي المؤونة من المؤلفين والمحقّقين .. وليعتبر.
قال صاحب «كشف الظنون» في مقدمة الكشف ج ١ / ٤٣ :
«و أمّا ضيق الحال وعدم المعونة على الإشتغال ، فمن أعظم الموانع و أشدّها ، لأنّ صاحبه مهموم مشغول القلب أبداً».
وما اُريد بهذا أن اُثّبط همم المحارفين .. ولا أن أصرفهم عن وجهتهم و إنّما هي حقيقة اُقرّرها .. ولكل قاعدة شواذّ.
٢ ـ حسن قراءة الخط العربي
قد تتبادر إلى ذهن القارئ غرابة هذا العنوان ، ولعلّه يقول : و أيّ عارف بالألفباء العربية ـ من عربي أو مستعرب ـ لا يحسن قراءة الخط العربي ؟
ولكن ..
الخط العربي بتشابه صور حروفه ، و دقّة الفرق بينها ، و بجريانها في يد الكاتب على صور مختلفة مشتبهة ... كثيراً ما تحتمل في القراءة عدّة ألفاظ.
أضف إلى هذا عجلة الناسخ أو جهله ، والسهو والنسيان اللذين لايخلو منهما إلّا من عصم الله .. ولسبق القلم وسبق النظر حصة كبيرة في هذا الباب.
ولا تنس سقم الأصل المنقول عنه ، وعجلة المؤلف أو الناسخ ، وقد رأيت من خطوط العلماء نسخة من كتاب الإيضاح للعلّامة الحلّي رحمه الله (ـ ٧٢٦ هـ) خالية من النقط متّصلة الكتابة كلمة بكلمة ، تصعب قراءتها ولا يستطيعها إلّا الحذّاق. ومثلها في تراثنا كثير.
لهذه الأسباب ـ مجتمعة ـ ولغيرها ممّا طوينا ذكره ، يكون تمكّن المحقّق من قراءة الخط العربي عُدّة يعتدّ بها لمواجهة هذه المشكلات التي هي في تراثنا المخطوط السمة الغالبة ولها منه الحصة الوافرة.