هذه القيود ، ما
ليس منها كالتفرد والركض على البرذون وكثرة الكلام ، والبول قائما ، وبيع الزيبق ،
وتولية أموال الأيتام ، والقراءة بالألحان ، وسماع آلة الطرب المختلف فيها ،
والتزيّي بزي الجند ، وخدمة الملوك ، وأخذ الأجرة على السماع ، والاشتغال بالرأي ،
وعلم الكلام ، والتصوف ، ومصاحبة الزاقفة ، ورواية الأحاديث المخالفة لهوى المجرح
، أو موافقة المخالف له في بعض الفروع ، والتطفل وإبدال صيغ الإجازة بصيغ الأخبار
، والبدعة ، والخلاف في المعتقد ، كالإرجاء ، والقدر ، والنصب ، والتشيع ، وغيرها
من النحل ، وهذا التوسع كاد ينسد معه باب العدالة ، وينعدم به مقبول الرواية خصوصا
بالنسبة للشرط الأخير (التشيع) فإنّ غالب ما جاء بعد الصحابة من رواة السنة ،
وحملة الشريعة ، في الصدر الأول ، والثاني ، والثالث كانوا من هذا القبيل ، فلم
يسلم من التعلق بأذيال نحلة من هذه النحل منهم إلّا القليل ، غير أنّهم كانوا
متفاوتين فيها بالوسط ، والتغالي ، والإفراط ، والاعتدال ، فمن كان غالبا في نحلته
داعيا إليها عرف بها واشتهر ، ومن كان متوسطا غير داعية لم يشتهر ، فإذا جرح كل
هؤلاء ، وردّت رواياتهم ذهبت جملة الآثار النبويّة ، وكاد ينعدم معها المقبول
بالكلية ، كما قال ابن جرير ، في جزء جمعه للذب عن عكرمة ، مولى ابن عباس ، لو كان
كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الردية ثبت عليه ما ادعى فيه ، وسقطت عدالته ،
وبطلت شهادته ، بذلك للزم ترك أكثر محدّثي الأمصار لأنّه ما منهم إلّا وقد نسبه
قوم إلى ما يرغب به عنه .
وقال الذهبي ، في
ترجمة أبان بن تغلب الكوفي ، من الميزان : هو شيعي جلد ، لكنّه صدوق ، قبلنا صدقه وعليه بدعته ،
وقد وثقه أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وأبو حاتم ، وأورده ابن عدي ، وقال : كان
غاليا في التشيع. وقال السعدي : زائغ مجاهر. فلقائل أن يقول : كيف ساغ توثيق مبتدع
وحد الثقة العدالة والإتقان ، فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟
وجوابه : إنّ
البدعة على ضربين ، فبدعة صغرى ، كغلوّ التشيع ، أو كالتشيع
__________________