بلا غلو ، ولا تحرق ، فهذا كثير في التابعين مع الدين ، والورع ، والصدق ، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة الآثار النبويّة ، وهذه مفسدة بينة ، انتهى كلام الذهبي.
وإيضاح المقام : إنّ رد الحر إنّما هو لكونه كذبا في حدّ ذاته لا لشيء آخر مضاف إلى الكذب ، كما أنّ قبوله إنّما هو لصدقه في حدّ ذاته لا لشيء آخر مضاف إلى الصّدق ، فلو حدّث الثقة السنيّ بالكذب فهو مردود عليه ، واتصافه بالعدالة ، والسنية لا يصيّر كذبه صدقا ، كما أنّ الكذاب المبتدع إذا حدّث بالصدق فخبره مقبول ، واتصافه بالكذاب ، والبدعة لا يصيّر صدقه كذبا ، بل ذلك محال عقلا إلّا أنّه لما كان الوقوف على الحقيقة فيهما متعذرا في الغالب ، وجب الاكتفاء فيهما بالظن ، وهو يحصل باتصاف الراوي بالصدق ، أو اتصافه بالكذب ، فمن اتصف بالصدق حتّى عرف به حصل الظن بصدق خبره ومن اتصف بالكذب ، وتكرّر منه حصل الظن بكذب خبره ، ولما كان الباعث على اجتناب الكذب ، هو خوف الله تعالى ، بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه كان ذلك الظن لا يحصل غالبا إلّا بمن هذه صفته ، لأنّ من ليس له خوف يحجزه عن المحارم ، قد يجترئ على الكذب في الحديث كما اجترأ على غيره فلا يحصل ظن الصدق بخبره ، وإن كان هو في نفسه قد لا يجترئ على خصوص الكذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فلذلك اشترطت العدالة التي هي ملازمة التقوى ، الحاجزة بين المرء وسائر المخالفات ، ولما كان الكذب قد يحصل عن وهم وخطأ كما يحصل عن قصد وتعمد ، أضيف إلى العدالة الضبط ليحصل به ظن انتفاء الكذب عن وهم وخطأ ، كما حصل بها ظن انتفائه عن قصد وتعمد ، أما اعتقاد الراوي أنّ الأعمال غير داخلة في مسمّى الإيمان ، أو أنّ الأمور لا تجري بقدر من الله تعالى ، أو أنّ عليا أفضل من أبي بكر ، وعمر ، وأحق بالخلافة منهما ، أو أنّه إمام جور وظلم أو غير ذلك من المعتقدات فلا يحصل بشيء منها ظن صدق الخبر ، ولا عدمه فاشتراط نفيها في قبول الخبر ظاهر البطلان.
وأما اشتراط كونه روى ما لا يؤيد بدعته ، فهو من دسائس النواصب التي دسوها بين أهل الحديث ، ليتوصلوا بها إلى إبطال كل ما ورد في فضل عليّ (عليه السلام) ، وذلك أنّهم جعلوا آية تشيع الراوي وعلامة بدعته ، هو روايته فضائل عليّ