هذا ، فقمت وصليت
ركعتين ، ودعوت الله ، فسمعت صوتاً يقول : يا أبا قدامة ، أترك ولي الله ، فما
برحت حتى نزلت عليه طيور فأكلته.
فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته
، فما قرعت الباب خرجت أخته إلي ، فلما رأتني عادت إلى امها ، وقالت : يا أماه ،
هذا أبو قدامة ، وليس معه أخي ، وقد أُصبنا في العام الاول بأبي ، وفي هذا العام
بأخي ، فخرجت اُمه ، فقالت : أمعزيناً أم مهنئاً؟ فقلت : ما معنى هذا؟ قالت : إن
كان ابني مات فعزني ، وإن كان استشهد فهنئني ، فقلت : لا ، بل قد مات شهيداً ،
فقالت له علامة ، فهل رأيتها؟ فقلت : نعم ، لم تقلبه الارض ، ونزلت الطيور ، فأكلت
لحمه ، وتركت عظامه ، فدفنتها ، فقالت : الحمد لله.
فسلمت إليها الخرج ، ففتحته وأخرجت منه
مسحاً وغلاً من حديد ، قالت : إنه كان إذا جنه الليل لبس هذا المسح ، وغلّ نفسه
بالغل وناجى مولاه ، وقال في مناجاته : إلهي احشرني من حواصل الطيور. فاستجاب الله
سبحانه دعاءه رحمه الله.
وروى البيهقي عن أبي عباس السراج ، قال
: مات لبعضهم ابن ، فدخلت على اُمه ، فقلت لها : اتقي الله واصبري ، فقالت :
مصيبتي به أعظم من أن أفسدها بالجزع.
وقال ابان بن تغلب رحمهالله : دخلت على امرأة ، وقد نزل بابنها
الموت ، فقامت إليه فغمضته وسجته ، ثم قالت : يا بني ، ما الجزع في ما لا يزول؟
وإنما البكاء في ما ينزل بك غداً؟ يا بني ، تذوق ما ذاق أبوك ، وستذوقه من بعدك
امك ، وإن أعظم الراحة لهذا الجسد النوم ، والنوم أخو الموت ، فما عليك إن كنت
نائماً على فراشك ، أو على غيره ، وإن غداً السؤال والجنة والنار ، فإن كنت من أهل
الجنة فما ضرك الموت ، وإن كنت من أهل النار فما تنفعك الحياة ، ولو كنت أطول
الناس عمراً ، والله يا بني لولا أن الموت أشرف الاشياء لابن آدم ، لما أمات الله
نبيه صلىاللهعليهوآله ، وأبقى
عدوه أبليس لعنه الله .
وعن المبرد قال : أتيت امرأة أعزيها عن
ابنها ، فجعلت تثني عليه ، فقالت : كان ـ والله ـ ماله لغير بطنه ، وأمره لغير
عرسه ، وكان رحب الذراع بالتي لا تشينه ، فإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعاً ، فقلت
لها : وهل لك منه خلف؟ ـ وأنا أعني الولد ـ ، فقالت : نعم بحمد الله كثير الطيب ،
ثواب الله عزوجل ، ونعم العوض في الدنيا والآخرة.
__________________