وعنه : أنه خرج إلى اليمن ، فنزل على امرأة لها مال كثير ورقيق وولد وحال حسنة ، فاقام عندها مدة ، فلما أراد الرحيل قال : إلك حاجة؟ قالت : نعم ، كلما نزلت هذه البلاد فانزل علي.
وإنه غاب اعواما ، ثم نزل عليها ، فوجدها قد ذهب مالها ورقيقها ، ومات ولدها ، وباعت منزلها ، وهي مسرورة ضاحكة ، فقال لها : أتضحكين مع ما قد نزل بلك؟ فقالت : يا عبد الله كنت في حال النعمة في أحزان كثيرة ، فعلمت أنها من قلة الشكر ، فأنا اليوم في هذه الحالة أضحك شكراً لله تعالى على ما أعطاني من الصبر.
وعن مسلم بن يسار قال : قدمت البحرين فأضافتني امرأة لها بنون ورقيق ومال ويسار ، وكنت أراها محزونة ، فغبت عنها مدة طويلة ، ثم أتيتها فلم أر ببابها إنساً ، فاستأذنت عليها ، فإذا هي ضاحكة مسرورة ، فقلت لها : ما شأنك؟ قالت : إنك لما غبت عنا لم نرسل شيئاً في البحر إلا غرق ، ولا شيئاً في البر إلا عطب ، وذهبت الرقيق ، ومات البنون ، فقلت لها : يرحمك الله ، رأيتك محزونة في ذلك اليوم ، ومسرورة في هذا اليوم ، فقالت : نعم ، إني لما كنت فيما كنت فيه من سعة الدنيا ، خشيت أن يكون الله تعالى قد عجل لي حسناتي في الدنيا ، فلما ذهب مالي وولدي ورقيقي رجوت أن يكون الله تعالى قد ذخر لي عنده شيئاً (١).
وعن بعضهم قال : خرجت أنا وصديق لي إلى البادية ، فضللنا الطريق ، فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق فقصدنا نحوها فسلمنا ، فإذا بامرأة ترد علينا السلام ، وقالت : ما أنتم؟ قلنا : ضالون فأتيناكم فاستأنسنا بكم ، فقالت : يا هؤلاء ، ولّوا وجوهكم عنّي ، حتى أقضي حقكم ما أنتم له أهل ، ففعلنا ، فألقت لنا مسحاً ، وقالت : اجلسوا عليه إلى أن يأتي أبني.
ثم جعلت ترفع طرف الخيمة وتردها ، إلى أن رفعته مرة فقالت : أسأل الله بركة المقبل ، أما البعير فبعير ابني ، وأما الراكب فليس هو به ، قال : فوقف الراكب عليها ، وقال : يا اُم عقيل ، عظم الله أجرك في عقيل ولدك ، فقالت : ويحك مات!؟ قال : نعم ، قالت : وما سبب موته؟ قال : ازدحمت عليه الابل فرمت به في البئر فقالت : انزل واقض ذمام القوم ، ودفعت إليه كبشاً فذبحه وأصلحه ، وقرب إلينا الطعام ، فجعلنا نأكل ، ونتعجب من صبرها.
__________________
١ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٥٢.