ثمرة له ، فقال عز من قائل : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ اَئِمّةً يَهْدُونَ بِاَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا ) (١) وقال : ( وتَمَتْ كَلَمَتُ رَبِكَ الْحُسْنى عَلَى بَني اِسْرَآئيلَ بِمَا صَبَرُوا ) (٢) وقال تعالى : ( وَلَنَجْزينَّ الذينَ صَبَروا اجْرَهُم بِاحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ) (٣) وقال : ( اُلئِكَ يُؤْتَوْنَ اَجْرَهُمْ مَرَّتَيْن بِمَا صَبَرُوا ) (٤) وقال : ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) (٥).
فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر ، ولأجل كون الصوم من الصبر ، وأنه نصف الصبر (٦) كان لا يتولى أجره إلا الله ـ تبارك وتعالى ـ كما ورد في الأثر.
قال الله تعالى : « الصوم لي ، وأنا اجزي به » (٧) فأضافه إلى نفسه من بين سائر العبادات ، ووعد الصابرين بأنه معهم ، فقال : ( واصبروا ان الله مع الصابرين ) (٨) وعلق النصرة على الصبر ، فقال : ( بلى إن تصبروا وتتّقوا ويا توكم من فورهم هذا يمددكم ربُكم
____________
١ ـ السجدة ٣٢ : ٢٤.
٢ ـ الأعراف ٧ : ١٣٧.
٣ ـ النحل ١٦ : ٩٦.
٤ ـ القصص ٢٨ : ٥٤.
٥ ـ الزمر ٣٩ : ١٠.
٦ ـ روى ابن ماجة في سننه ١ : ٥٥٥ / ١٧٤٥ ، والسيوطي في الجامع الصغير ٢ : ١٢٢ / ٥٢٠٠ : « الصيام نصف الصبر ».
٧ ـ رواه الصدوق في الخصال : ٤٥ / ٤٢ ، ومالك في الموطأ ١ : ٣١٠ / ٥٨ ، والبخاري في صحيحه ٣ : ٣١ ، وابن ماجة في سننه ٢ : ١٢٥٦ / ٣٨٢٣ ، وقال ابن الاثير في النهاية : ١ : ٢٧٠ بعد ذكر الحديث : قد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث ، وأنه لم خص الصوم والجزاء عليه بنفسه عزوجل ، وإن كانت العبادات كلها له وجزاؤها منه ، وذكروا فيه وجوهاً مدارها كلها على أن الصوم سر بين الله وبين والعبد لا يطّع عليه سواه ، فلا يكون العبد صائماً حقيقة إلا وهو مخلص في الطاعة ، وهذا وإن كان كما قالوا فإن غير الصوم من العبادات يشاركه في سر الطاعة ، كالصلاة على غير طهارة ، أو في ثوب نجس ونحو ذلك من الأسرار المقترنة بالعبادات التي لا يعرفها إلا الله وصاحبها. وأحسن ما سمعت في تأويل هذا الحديث أن جميع العبادات التي يتقرب بها العباد إلى الله عزوجل ـ من صلاة ، وحج ، وصدقة ، واعتكاف ، وتبتل ، ودعاء ، وقربان ، وهدي ، وغير ذلك من أنواع العبادات ـ قد عبد المشركون بها آلهتهم ، وما كانوا يتخذونه من دون الله أنداداً ، ولم يسمع أن طائفة من طوائف المشركين وأرباب النحل في الأزمان والمتقادمة عبدت آلهتها بالصوم ، ولا تقربت إليها به ، ولا عرف الصوم في العبادات إلا من جهة الشرائع ، فلذلك قال الله عزّوجلّ : الصوم لي وأنا أجزي به : أي لم يشاركني أحد فيه ، ولا عبد به غيري ، فأنا حينئذ اجزء به وأتولى الجزاء عليه بنفسي ، لا أكله إلى أحد من ملك مقرب أو غيره على قدر اختصاصه بي.
٨ ـ الأنفال ٨ : ٤٦.