ومن أحسن الشواهد على هذا القسم قول شرف الدين بن عبد العزيز :
قالوا : أما في جلق نزهة |
|
تنسيك من أنت به مغرى |
يا عاذلي دونك من لحظه |
|
سهما ومن عارضه سطرا |
الشاهد هنا في موضعين وهما «السهم وسطر» فإن المعنى البعيد هما الموضعان المشهوران بمتنزهات دمشق ، وذكر النزهة بجلّق قبلهما هو المبين لهما ، وأما المعنى القريب غير المراد فسهم اللحظ وسطر العارض.
ب ـ والقسم الثاني ، من التورية المبينة : هو الذي ذكر فيه لازم المورّى عنه بعد لفظ التورية. ومن أمثلته البديعة قول الشاعر :
أرى ذنب السّرحان في الأفق طالعا |
|
فهل ممكن أن الغزالة تطلع؟ |
فالبيت فيه توريتان إحداهما «ذنب السرحان» فإنه يحتمل أول ضوء النهار ، وهذا هو المعنى البعيد المورّى عنه ، وهو مراد الشاعر ، وقد بيّنه بذكر لازمه بعده بقوله : «طالعا». ويحتمل ذنب الحيوان المعروف وهو الذئب أو الأسد ، وهذا هو المعنى القريب المورّى به والتورية الثانية في «الغزالة» فإنه يحتمل أن يكون المراد بها الشمس ، وهذا هو المعنى البعيد المورّى عنه ، وهو مقصود الشاعر وقد بيّنه بذكر لازمه بعد بقوله : «تطلع». ويحتمل أن يكون المراد بها الغزالة الوحشية المعروفة ، وهذا هو المعنى القريب المورّى به والذي لم يقصده الشاعر.
٤ ـ التورية المهيّأة : وهي التي لا تقع فيها التورية ولا تتهيأ إلا باللفظ الذي قبلها ، أو باللفظ الذي بعدها ، أو تكون التورية في لفظين لو لا كل منهما لما تهيأت التورية في الآخر. فالمهيّأ على هذا الاعتبار ثلاثة أقسام.