أ ـ فالقسم الأول من التورية المهيأة : هو الذي تتهيأ فيه التورية من قبل. واستشهدوا على ذلك بقول ابن سناء الملك يمدح الملك المظفر صاحب حماة :
وسيرك فينا سيرة عمرية |
|
فروحت عن قلب وأفرجت عن كرب |
وأظهرت فينا من سميك سنة |
|
فأظهرت ذاك الفرض من ذلك الندب |
فالشاهد هنا في «الفرض والندب» وهما يحتملان أن يكونا من الأحكام الشرعية ، وهذا هو المعنى القريب المورّى به ، ويحتمل أن يكون الفرض بمعنى العطاء والندب صفة الرجل السريع في قضاء الحوائج الماضي في الأمور ، وهذا هو المعنى البعيد المورّى عنه. ولو لا ذكر «السنّة» لما تهيأت التورية فيهما ولا فهم من الفرض والندب الحكمان الشرعيان اللذان صحت بهما التورية.
ب ـ والقسم الثاني من التورية المهيأة : هو الذي تتهيأ فيه التورية بلفظة من بعده. ومن أمثلته نثرا قول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الأشعث بن قيس : «إنه كان يحوك «الشمال» (١) باليمين» ، فالشمال يحتمل أن يكون جمع شملة وهي الكساء يشتمل به ، وهذا هو المعنى البعيد المورّى عنه ، ويحتمل أن يراد بها الشمال التي هي إحدى اليدين ونقيض اليمين ، وهذا هو المعنى القريب المورّى به. ولو لا ذكر اليمين بعد الشمال لما تنبه السامع لمعنى اليد.
ومن هذا النوع من التورية المهيأة شعرا قول الشاعر :
لو لا التطير بالخلاف وأنهم |
|
قالوا : مريض لا يعود مريضا |
لقضيت نحبي في جنابك خدمة |
|
لأكون «مندوبا» قضى مفروضا |
__________________
(١) الشمال : جمع شملة ، وهي كساء يشتمل ويتلفع به.