السائب ابن خباب وعمر بن عثمان بن عبد الرحمن أن عثمان بن عفان أول من وضع المقصورة من لبن ، واستعمل عليها السائب بن خباب ، وكان رزقه دينارين في كل شهر ، فتوفي عن ثلاثة رجال : مسلم ، وبكير ، وعبد الرحمن ، فتواسوا في الديا نارين ، فجريا في الديوان على ثلاثة منهم إلى اليوم ، قال ابن زبالة : وقال مالك بن أنس : لما استخلف عثمان بعد مقتل عمر بن الخطاب عمل عثمان مقصورة من لبن ، فقام يصلي فيها للناس خوفا من الذي أصاب عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، وكانت صغيرة.
وروى يحيى هذا كله في زيادة عثمان رضياللهعنه ، ثم روى في زيادة الوليد عن عبد الحكم بن عبد الله بن حنطب قال : أول من أحدث المقصورة في المسجد مروان بن الحكم ، بناها بالحجارة المنقوشة ، وجعل لها كوى ، وكان بعث ساعيا (١) إلى تهامة ، فظلم رجلا يقال له دب ، فجاء دب إلى مروان ، فقام حيث يريد أن يقوم مروان ، حتى إذا أراد أن يكبر ضربه بسكين فلم يصنع شيئا ، فأخذه مروان فقال : ما حملك على ما صنعت؟ قال : بعثت عاملا فأخذ ذودي بمرة (٢) ، وتركني وعيالي لا يجد شيئا ، فقلت : أذهب إلى الذي بعثك فاقتله ؛ فهو أصل هذا ، فجاء ما ترى ، فحبسه مروان حينا في السجن ، ثم أمر به فاغتيل سرا ، فكانت المقصورة.
ورواه ابن شبة بنحوه ، إلا أنه سمى الرجل في موضع دبا ، وفي آخر ذبابا ، وقال : بعثت عاملك ، فأخذ مني بقرة ، فتركني وعيالي لا نجد شيئا ، وأنا امرؤ خبيث النفس ، فقلت : أذهب إلى الذي بعثه فأقتله فهو أصل هذا ، فجاء ما ترى ، فحبسه مروان في الحبس حينا ، ثم أمر به فاغتيل سرا ، وعمل المقصورة.
قلت : وجزم بذلك في العتبية فيما حكاه ابن رشد في بيانه ، فقال في كتاب الصلاة : مسألة قال مالك : أول من جعل المقصورة مروان بن الحكم حين طعنه اليماني ، قال : فجعل مقصورة من طين ، وجعل فيها تشبيكا ، انتهى. قال ابن رشد في شرح ذلك : وجه قوله هذا الإعلام بأن المقصورة محدثة لم تكن على عهد النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا على عهد الخلفاء بعده ، وإنما أحدثها الأمراء للخوف على أنفسهم ، فاتخاذها في الجوامع مكروه انتهى.
وفي شرح مسلم للنووي أن أول من اتخذ المقصورة في المسجد معاوية رضياللهعنه حين ضربه الخارجي ، انتهى.
__________________
(١) الساعي : عامل الصدقات. (ج) سعاة.
(٢) الذود : القطيع من الإبل بين الثلاث إلى العشر. وفي الحديث : «ليست فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة». وفي المثل : «الذود إلى الذود إبل» : يضرب في اجتماع القليل إلى القليل حتى يؤدّي إلى الكثير.
(خ) أذواد.