النسائي شيخ شيوخ الصوفي بالموصل ، وكان مجاورا بالمدينة ، فذكروا ذلك له ، فذكر أن به فتقا والريح والبول يحوجه إلى دخول الغائط مرارا ، فالزموه ، فقال : أمهلوني حتى أروض نفسي ، وقيل : إنه امتنع من الأكل والشرب وسأل النبي صلىاللهعليهوسلم إمساك المرض عنه بقدر ما يبصر ويخرج ، ثم إنهم أنزلوه في الحبال من الخوخة إلى الحظير الذي بناه عمر ، ودخل منه إلى الحجرة ومعه شمعة يستضيء بها فرأى شيئا من طين السقف قد وقع على القبور ، فأزاله وكنس التراب بلحيته ، وقيل : إنه كان مليح الشيبة ، وأمسك الله تعالى ذلك الداء قدر ما خرج من الموضع وعاد إليه ، وهذا ما سمعته من أفواه جماعة ، والله أعلم بحقيقة الحال في ذلك.
وعبارة المراغي تبعا للمطري في النقل عن ابن النجار : فأنزلوه بالحبال من بين السقفين من الطابق المذكور ، ونزل بين حائط النبي صلىاللهعليهوسلم وبين الحائز ومعه شمعة يستضيء بها ، ومشى إلى باب البيت ، ودخل من الباب إلى القبور المقدسة ، فرأى شيئا من الردم ، إما من السقف أو من الحيطان إلى آخره.
قلت : وهذا لا يطابق ما ذكره ابن النجار وعليه رتب المراغي إشكاله الآتي بيانه.
ثم قال ابن النجار : وفي شهر ربيع الآخر من سنة أربع وخمسين وخمسمائة في أيام قاسم أيضا وجدوا من الحجرة رائحة منكرة ، وكثر ذلك حتى ذكروه للأمير ، فأمرهم بالنزول إلى هناك ، فنزل بيان الأسود الخصي أحد خدام الحجرة ، ومعه الصفي الموصلي متولي عمارة المسجد ، ونزل معهما هارون الشادي الصوفي بعد أن سأل الأمير في ذلك ، وبذل له جملة من المال ، فلما نزلوا وجدوا هرا قد هبط ومات وجيف ، فأخرجوه ، وكان في الحائز بين الحجرة والمسجد.
وقال المراغي وغيره في النقل عن ابن النجار : فوجدوا هرا قد سقط من الشباك الذي في أعلى الحائز ، ووقع بين الحائز وبيت النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال ابن النجار : وكان نزولهم يوم السبت الحادي عشر من ربيع الآخر ، ومن ذلك التاريخ إلى يومنا هذا لم ينزل أحد إلى هناك ، فاعلم ذلك ، انتهى.
فهذا يخالف ما نقله الأقشهري عن ابن عاث ؛ لاقتضائه أن تلك الواقعة في سنة سبعين وخمسمائة أو ما قاربها ، والظاهر أن القضية واحدة ، ولم نجد من دونها فنقل كل منهما بحسب ما بلغه.
وقال الزين المراغي عقب ذكره للواقعة الأولى التي حكاها ابن النجار المتضمنة للدخول إلى القبور الشريفة ما لفظه : وينبغي تأمل هذا النقل ؛ لأن الوصول إلى القبور الشريفة متعذر ، إن كان الجدار الذي أحدثته عائشة المتقدم ذكره باقيا ، فإن جاء نقل بإزالته وبإمكان الاستطراق معه من باب أو نحوه فهو واضح ، وإلا ففيه نظر.