درجة كبيرة من الشجاعة النادرة ، أو فقل إلى درجة عالية من الوقاحة الفاجرة.
وهذا ما حصل بالفعل : حيث نجد بعضهم ليس فقط لا يذكر لعلي «عليه السلام» خبرا ، ولا يورد في مواقفه أثرا. بل هو يكاد يجهر بإنكار تلك المواقف الرسالية الرائدة.
حيث يقول أحدهم : «ولم يكن بين القوم قتال إلا الرمي بالنبل والحصا ، فأوقع الله بينهم التخاذل ، ثم أرسل الله عليهم في ظلمة شديدة من الليل ريح الصبا الشديدة في برد شديد ، فأسقطت خيامهم ، وأطفأت نيرانهم ، وزلزلتهم ، حتى جالت خيولهم بعضها في بعض في تلك الظلمة فارتحلوا خائبين» (١). ثم يذكر إرسال الزبير بن العوام لكشف خبر القوم.
بينما نجد رجلا مسيحيا ، لا يرغب بالاعتراف للمسلمين بشيء ذي بال ، يعتبر قتل علي «عليه السلام» لعمرو ولصاحبه «سبب هزيمة الأحزاب على كثرة عددهم ، ووفرة عددهم» (٢).
فشتان ما بين هذا الرجل ، وبين أولئك ، ولا حول ولا قوة بالله.
من تشكيكات الجاحظ وتعصباته :
قد ادّعى ابن تيمية : أن عمرو بن عبدود لم يعرف له ذكر إلا في هذه
__________________
(١) حدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٩٠ وراجع : الزمخشري في الكشاف ج ٣ ص ٥٢٦ وقد تعجب منه في سعد السعود ص ١٣٨ و ١٣٩.
(٢) تاريخ مختصر الدول ص ٩٥.