لغة هذيل إذا كان مع الرجاء جحد ذهبوا به إلى معنى الخوف. فتقول : فلان لا يرجو ربه يريدون لا يخاف ربه ، ومن ذلك (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (١) أي لا تخافون لله عظمة وإذا قالوا : فلان يرجو ربه فهذا معنى الرجاء لا على الخوف. وقال الشاعر :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها |
|
وحالفها في بيت نوب عوامل |
وقال آخر :
لا ترجى حين تلاقي الذائذا |
|
أسبعة لاقت معا أم واحدا |
انتهى. ومن لازم الرجاء للثواب الخوف من العقاب ، ومن كان مكذبا بالبعث لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا ومن تأول لم يرج لسعها على معنى لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها. فهو لذلك يوطن على الصبر ويجد في شغله فتأويله ممكن لكن الفراء وغيره نقلوا ذلك لغة لهذيل في النفي والشاعر هذلي ، فينبغي أن لا يتكلف للتأويل وأن يحمل على لغته.
(لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) فتخبرنا أنك رسول حقا (أَوْ نَرى رَبَّنا) فيخبرنا بذلك قاله ابن جريج وغيره. وهذه كما قالت اليهود (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (٢) وكقولهم أعني المشركين (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) (٣) وهذا كله في سبيل التعنت ، وإلّا فما جاءهم به من المعجزات كاف لو وفقوا. (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا) أي تكبروا (فِي أَنْفُسِهِمْ) أي عظموا أنفسهم بسؤال رؤية الله ، وهم ليسوا بأهل لها. والمعنى أن سؤال ذلك إنما هو لما أضمروا في أنفسهم من الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد الكامن في قلوبهم الظاهر عنه ما لا يقع لهم كما قال (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) (٤) واللام في لقد جواب قسم محذوف و (عَتَوْا) تجاوزوا الحد في الظلم ووصفه بكبير مبالغة في إفراطه أي لم يجسروا على هذا القول العظيم إلّا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو. وجاء هنا (عَتَوْا) على الأصل وفي مريم (عِتِيًّا) (٥) على استثقال اجتماع الواوين والقلب لمناسبة الفواصل. قال ابن عباس (عَتَوْا) كفروا أشد الكفر وأفحشوا. وقال عكرمة : تجبروا. وقال ابن سلام : عصوا. وقال ابن عيسى : أسرفوا. قال الزمخشري : هذه الجملة في حسن استيفائها غاية في أسلوبها. ونحوه قول القائل :
__________________
(١) سورة نوح : ٧١ / ١٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٥٥.
(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٢.
(٤) سورة غافر : ٤٠ / ٥٦.
(٥) سورة مريم : ١٩ / ٨.