وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ، لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً).
هذه السورة مدنية. وتقدم أن نداءه ، صلىاللهعليهوسلم : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) ، (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) (١) ، هو على سبيل التشريف والتكرمة والتنويه بمحله وفضيلته ، وجاء نداء غيره باسمه ، كقوله : (يا آدَمُ) (٢) ، (يا نُوحُ) (٣) ، (يا إِبْراهِيمُ) (٤) ، (يا مُوسى) (٥) ، (يا داوُدُ) (٦) ، (يا عِيسى) (٧). وحيث ذكره على سبيل الأخبار عنه بأنه رسوله ، صرح باسمه فقال : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) (٨) ، (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) (٩) ، أعلم أنه رسوله ، ولقنهم أن يسموه بذلك. وحيث لم يقصد الإعلام بذلك ، جاء اسمه كما جاء في النداء : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) (١٠) ، (وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِ) (١١) ، (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ) (١٢) ، وغير ذلك من الآي. وأمره بالتقوى للمتلبس بها ، أمر بالديمومة عليها والازدياد منها. والظاهر أنه أمر للنبي ، وإذا كان هو مأمورا بذلك ، فغيره أولى بالأمر. وقيل : هو خطاب له لفظا ، وهو لأمّته.
وروي أنه لما قدم المدينة ، وكان يحب إسلام اليهود ، فبايعه ناس منهم على النفاق ، وكان يلين لهم جانبه ، وكانوا يظهرون النصائح في طرق المخادعة ، ولحلفه وحرصه على ائتلافهم ربما كان يسمع منهم ، فنزلت تحذيرا له منهم وتنبيها على عداوتهم. وروي أيضا أن أبا سفيان ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبا الأعور السلمي قدموا في الموادعة التي كانت بينهم وبينه ، وقام عبد الله بن أبي ، ومعتب بن قشير ، والجد بن قيس فقالوا له : ارفض ذكر آلهتنا وقل : إنها تشفع وتنفع ، وندعك وربك ؛ فشق ذلك عليه وعلى المؤمنين ، وهموا بقتلهم ، فنزلت. وناسب أن نهاه عن طاعة الكفار ، وهم المتظاهرون به ، وعن طاعة المنافقين ، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر. فالسببان حاويان الطائفتين ، أي : ولا تطع الكافرين من أهل مكة ، والمنافقين من أهل المدينة ، فيما طلبوا إليك. وروي أن
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٤١ ـ ٦٧.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٣٣.
(٣) سورة هود : ١١ / ٣٢.
(٤) سورة هود : ١١ / ٧٦.
(٥) سورة البقرة : ٢ / ٥٥.
(٦) سورة ص : ٣٨ / ٢٦.
(٧) سورة آل عمران : ٣ / ٥٥.
(٨) سورة الفتح : ٤٨ / ٢٩.
(٩) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٤.
(١٠) سورة التوبة : ٩ / ١٢٨.
(١١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٣٠.
(١٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦.