إلى عظمة الملك ؛ وذكر هنا عالم الأرواح والأمر بقوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ، والروح من عالم الأمر ، كما قال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (١) ، وأشار إلى دوامه بلفظ يوهم الزمان. والمراد دوام النفاد ، كما يقال في العرف : طال زمان فلان ، والزمان يمتد فيوجد في أزمنة كثيرة. فأشار إلى عظمة الملك بالمكان ، وأشار إلى دوامه هنا بالزمان والمكان من خلقه وملكه ، والزمان بحكمه وأمره. انتهى. وهو كلام ليس جاريا على فهم العرب. وقرأ الجمهور : (مِمَّا تَعُدُّونَ) ، بتاء الخطاب. وقرأ السملي ، وابن وثاب ، والأعمش ، والحسن : بياء الغيبة ، بخلاف عن الحسن. وقرأ جناح بن حبيش : ثم تعرج الملائكة ، بزيادة الملائكة ، ولعله تفسير منه لسقوطه في سواد المصحف.
(ذلِكَ) : أي ذلك الموصوف بالخلق والاستواء والتدبير ، (عالِمُ الْغَيْبِ) : والغيب الآخرة ، (وَالشَّهادَةِ) : الدنيا ، أو الغيب : ما غاب عن المخلوقين ، والشهادة : ما شوهد من الأشياء ، قولان. وقرأ زيد بن علي : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) : بخفض الأوصاف الثلاثة ؛ وأبو زيد النحوي : بخفض (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). وقرأ الجمهور : برفع الثلاثة على أنها أخبار لذلك ، أو الأول خبر والاثنان وصفان ، ووجه الخفض أن يكون ذلك إشارة إلى الأمر ، وهو فاعل بيعرج ، أي ثم يعرج إليه ذلك ، أي الأمر المدبر ، ويكون عالم وما بعده بدلا من الضمير في إليه. وفي قراءة ابن زيد يكون ذلك عالم مبتدأ وخبر ، والعزيز الرحيم بالخفض بدل من الضمير في إليه. وقرأ الجمهور : خلقه ، بفتح اللام ، فعلا ماضيا صفة لكل أو لشيء. وقرأ العربيان ، وابن كثير : بسكون اللام ، والظاهر أنه بدل اشتمال ، والمبدل منه كل ، أي أحسن خلق كل شيء ، فالضمير في خلقه عائد على كل. وقيل : الضمير في خلقه عائد على الله ، فيكون انتصابه نصب المصدر المؤكد لمضمون الجملة ، كقوله : (صِبْغَةَ اللهِ) (٢) ، وهو قول سيبويه ، أي خلقه خلقا. ورجح على بدل الاشتمال بأن فيه إضافة المصدر إلى الفاعل ، وهو أكثر من إضافته إلى المفعول ، وبأنه أبلغ في الامتنان ، لأنه إذا قال : (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ، كأن أبلغ من : أحسن خلق كل شيء ، لأنه قد يحسن الخلق ، وهو المجاز له ، ولا يكون الشيء في نفسه حسنا. فإذا قال : (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ، اقتضى أن كل شيء خلقه حسن ، بمعنى : أنه وضع كل شيء في موضعه. انتهى.
وقيل : في هذا الوجه ، وهو عود الضمير في خلقه على الله ، يكون بدلا من كل
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٨٥.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٣٨.