بذلك إلى جميع ما أمر به ونهى عنه. وهذه الطاعات يدل إيصاء لقمان على أنها كانت مأمورا بها في سائر الملل. والعزم : ضبط الأمر ومراعاة إصلاحه. وقال مؤرج : العزم : الحزم ، بلغة هذيل. والحزم والعزم أصلان ، وما قاله المبرد من أن العين قلبت حاء ليس بشيء ، لا طراد تصاريف كل واحد من اللفظين ، فليس أحدهما أصلا للآخر.
(وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) : أي لا تولهم شق وجهك ، كفعل المتكبر ، وأقبل على الناس بوجهك من غير كبر ولا إعجاب ، قاله ابن عباس والجماعة. قال ابن خويز منداد : نهى أن يذل نفسه من غير حاجة ، وأورد قريبا من هذا ابن عطية احتمالا فقال : ويحتمل أن يريد : ولا سؤالا ولا ضراعة بالفقر. قال : والأول ، يعني تأويل ابن عباس والجماعة ، أظهر لدلالة ذكر الاختيال والعجز بعده. وقال مجاهد : (وَلا تُصَعِّرْ) ، أراد به الإعراض ، كهجره بسب أخيه. وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم ، وزيد بن علي : تصعر ، بفتح الصاد وشد العين ؛ وباقي السبعة : بألف ؛ والجحدري : يصعر مضارع أصعر. (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) : تقدم الكلام على هذه الجملة في سورة سبحان. (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) : تقدم الكلام في النساء على نظير هذه الجملة في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) (١). ولما وصى ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذ صار هو في نفسه ممتثلا للمعروف مزدجرا عن المنكر ، أمر به غيره وناهيا عنه غيره ، نهاه عن التكبر على الناس والإعجاب والمشي مرحا ، وأخبره أنه تعالى لا يحب المختال ، وهو المتكبر ، ولا الفخور. قال مجاهد : وهو الذي يعدد ما أعطى ، ولا يشكر الله. ويدخل في الفخور : الفخر بالأنساب.
(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) : ولما نهاه عن الخلق الذميم ، أمره بالخلق الكريم ، وهو القصد في المشي ، بحيث لا يبطىء ، كما يفعل المتنامسون والمتعاجبون ، يتباطؤون في نقل خطواتهم المتنامسين للرياء والمتعاجب للترفع ، ولا يسرع ، كما يفعل الخرق المتهور. ونظر أبو جعفر المنصور إلى أبي عمرو بن عبيد فقال : كلكم يمشي رويدا ، كلكم يطلب صيدا ، غير عمرو بن عبيد. وقال ابن مسعود : كانوا ينهون عن خبب اليهود ودبيب النصارى ، ولكن مشيا بين ذلك. وقيل معناه : اجعل بصرك موضع قدمك. وقرىء : وأقصد ، بهمزة القطع : أي سدد في مشيك ؛ من أقصده الرامي إذا سدد سهمه نحو الرمية ، ونسبها ابن خالويه للحجاز. والغض من الصوت : التنقيص من
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٣٦.