التركيب : ما لبثنا غير ساعة ، أي ما أقاموا تحت التراب غير ساعة ، وما لبثوا في الدنيا : استقلوها لما عاينوا من الآخرة ، أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث ، وإخبارهم بذلك هو على جهة التسور والتقول بغير علم ، أو على جهة النسيان ، أو الكذب. (يُؤْفَكُونَ) : أي يصرفون عن قول الحق والنطق بالصدق.
(الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) : هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون. (فِي كِتابِ اللهِ) : فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث والعلم يعم الإيمان وغيره ، ولكن نص على هذا الخاص تشريفا وتنبيها على محله من العلم. وقيل : (فِي كِتابِ اللهِ) : اللوح المحفوظ ، وقيل : في علمه ، وقيل : في حكمه. وقرأ الحسن : البعث ، بفتح العين فيهما ، وقرئ : بكسرها ، وهو اسم ، والمفتوح مصدر. وقال قتادة : هو على التقديم والتأخير ، تقديره : أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان. (لَقَدْ لَبِثْتُمْ) : وعلى هذا تكون في بمعنى الباء ، أي العلم بكتاب الله ، ولعل هذا القول لا يصح عن قتادة ، فإن فيه تفكيكا للنظم لا يسوغ في كلام غير فصيح ، فكيف يسوغ في كلام الله؟ وكان قتادة موصوفا بعلم العربية ، فلا يصدر عنه مثل هذا القول. والفاء في : (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) عاطفة لهذه الجملة المقولة على الجملة التي قبلها ، وهي : (لَقَدْ لَبِثْتُمْ) ، اعتقبها في الذكر. قال الزمخشري : فإن قلت : ما هذه الفاء ، وما حقيقتها؟ قلت : هي التي في قوله :
فقد جئنا خراسانا
وحقيقتها أنها جواب شرط يدل عليه الكلام ، كأنه قال : إن صح ما قلتم من أن أقصى ما يراد بنا قلنا القفول : قد جئنا خراسانا ، وإذا أمكن جعل الفاء عاطفة ، لم يتكلف إضمار شرط ، وجعل الفاء جوابا لذلك الشرط المحذوف ، لا تعلمون لتفريطكم في طلب الحق واتباعه. وقيل : لا تعلمون البعث ولا تعرفون به ، فصار مصيركم إلى النار ، فتطلبون التأخير. (فَيَوْمَئِذٍ) : أي يوم إذ ، يقع ذلك من إقسام الكفار وقول أولي العلم لهم. وقرأ الكوفيون : (لا يَنْفَعُ) ، بالياء هنا وفي الطول ، ووافقهم نافع في الطول ؛ وباقي السبعة بتاء التأنيث. (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ، قال الزمخشري : من قولك : استعتبني فلان فأعتبته : أي استرضاني فأرضيته ، وذلك إذا كان جانيا عليه ، وحقيقته : أعتبته : أزلت عتبه. ألا ترى إلى قوله :
غضبت تميم أن يقتل عامر |
|
يوم النثار فأعتبوا بالصيلم |