وقال ابن عباس : مطيعون ، أي في تصريفه ، لا يمتنع عنه شيء يريد فعله بهم ، من حياة وموت وصحة ومرض ، فهي طاعة الإرادة لا طاعة العبادة. وقيل : قائمون يوم القيامة ، يوم يقوم الناس لرب العالمين. وإذا حمل القنوت على الإخلاص ، كما قال ابن جبير ، أو على الإقرار بالعبودية ، أو قانتون من ملك ومؤمن ، لأن كل عام مخصوص. (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) : أي والعود أهون عليه ، وليست أهون أفعل تفضيل ، لأنه تفاوت عند الله في النشأتين : الإبداء والإعادة ، فلذلك تأوله ابن عباس والربيع بن خيثم على أنه بمعنى هين ، وكذا هو في مصحف عبد الله. والضمير في عليه عائد على الله. وقيل : أهون للتفضيل ، وذلك بحسب معتقد البشر وما يعطيهم النظر في المشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون من البداءة ، للاستغناء عن الروية التي كانت في البداءة ؛ وهذا ، وإن كان الاثنان عنده تعالى من اليسر في حيز واحد. وقيل : الضمير في عليه عائد على الخلق ، أي والعود أهون على الخلق : بمعنى أسرع ، لأن البداءة فيها تدريج من طور إلى طور إلى أن يصير إنسانا ، والإعادة لا تحتاج إلى هذه التدريجات في الأطوار ، إنما يدعوه الله فيخرج ، فكأنه قال : وهو أيسر عليه ، أي أقصر مدة وأقل انتقالا. وقيل : المعنى وهو أهون على المخلوق ، أي يعيد شيئا بعد إنشائه ، فهذا عرف المخلوقين ، فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق؟ قال ابن عطية : والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى ، ويؤيده قوله تعالى : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) ، كما جاء بلفظ فيه استعاذة واستشهاد بالمخلوق على الخالق ، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم ، خلص جانب العظمة ، بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يتصل به ، فكيف ولا تمثال مع شيء؟ انتهى. وقال الزمخشري : فإن قلت : لم أخرت الصلة في قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) ، وقدمت في قوله : (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) (١)؟ قلت : هنالك قصد الاختصاص ، وهو تجبره ، فقيل : وهو علي هين ، وإن كان مستصعبا عندك ، وإن تولد بين هرم وعاقر. وأما هنا فلا معنى للاختصاص ، كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء؟ فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. انتهى. ومبنى كلامه على أن تقديم المعمول يؤذن بالاختصاص ، وقد تكلمنا معه في ذلك ، ولم نسلمه في قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (٢).
(وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) ، قيل : هو متعلق بما قبله ، قاله الزجاج ، وهو قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ) ؛ قد ضربه لكم مثلا فيما يسهل أو يصعب. وقيل : بما بعده من قوله : (ضَرَبَ لَكُمْ
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٩.
(٢) سورة الفاتحة : ١ / ٥.