يعبدون فاصلة ، ولو اتصل ، ثم لم يكن فاصلة. وقال الزمخشري : إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم ؛ وإخلاء الجملتين من العاطف ، لكونهما مقرونين لمعنى الجملة الأولى. انتهى.
(وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) : لما سئلوا أين شركاؤكم وأجابوا بغير جواب ، سئلوا ثانيا فقيل : ادعوا شركاءكم ، وأضاف الشركاء إليهم ، أي الذين جعلتموهم شركاء لله. وقوله : (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) ، على سبيل التهكم بهم ، لأنه يعلم أنه لا فائدة في دعائهم ، (فَدَعَوْهُمْ) ، هذا لسخافة عقولهم في ذلك الموطن أيضا ، إذ لم يعلموا أن من كان موجودا منهم في ذلك الموطن لا يجيبهم ، والضمير في (وَرَأَوُا). قال الضحاك ومقاتل : هو للتابع والمتبوع ، وجواب لو محذوف ، والظاهر أن يقدر مما يدل عليه مما يليه ، أي لو كانوا مؤمنين في الدنيا ، ما رأوا العذاب في الآخرة. وقيل : التقدير : لو كانوا مهتدين بوجه من وجوه الحيل ، لدفعوا به العذاب. وقيل : لعلموا أن العذاب حق. وقيل : لتحيروا عند رؤيته من فظاعته ، وإن لم يعذبوا به ، وقيل : ما كانوا في الدنيا عابدين الأصنام. وقال أبو عبد الله الرازي : وعندي أن الجواب غير محذوف ، وفي تقريره وجوه : أحدها : أن الله إذا خاطبهم بقوله : (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) ، اشتدّ خوفهم ولحقهم شيء بحيث لا يبصرون شيئا ، لا جرم ما رأوا العذاب. وثانيها : لما ذكر الشركاء ، وهي الأصنام ، وأنهم لا يجيبون الذين دعوهم ، قال في حقهم : (وَرَأَوُا الْعَذابَ) ، لو كانوا من الأحياء المهتدين ، ولكنها ليست كذلك ، ولا جرم ما رأت العذاب. والضمير في رأوا ، وإن كان للعقلاء ، فقد قال : ودعوهم وهم للعقلاء. انتهى ، وفيه بعض تلخيص. وقد أثنى على هذا الذي اختاره ، وليس بشيء ، لأنه بناه على أن الضمير في رأوا عائد على المدعوين ، قال : وهم الأصنام. والظاهر أنه عائد على الداعين ، كقوله : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ) (١) ، ولأن حمل مهتدين على الأحياء في غاية البعد ، لأن ما قدره هو جواب ، ولا يشعر به أنه جواب ، إذ صار التقدير عنده : لو كانوا من الأحياء رأوا العذاب ، لكنها ليست من الأحياء ، فلا ترى العذاب. ألا ترى إلى قوله : فلا جرم ما رأت العذاب؟
(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) : هذا النداء أيضا قد يكون بواسطة من الملائكة ، أو بغير واسطة. حكى أولا ما يوبخهم من اتخاذهم له شركاء ، ثم ما يقوله رؤوس الكفر عند توبيخهم ، ثم استعانتهم بشركائهم وخذلانهم لهم وعجزهم عن نصرتهم ، ثم ما يبكتون به من الاحتجاج
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٦٦.