واتبعه الزمخشري استثناء منقطعا ، أي لكن رب العالمين ، لأنهم فهموا من قوله : ما كنتم تعبدون أنهم الأصنام. وأجاز الزجاج أن يكون استثناء متصلا على أنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأصنام ، فأعلمهم أنه تبرأ مما يعبدون إلا الله ، وأجازوا في (الَّذِي خَلَقَنِي) النصب على الصفة لرب العالمين ، أو بإضمار ، أعني : والرفع خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الذي. وقال الحوفي : ويجوز أن يكون (الَّذِي خَلَقَنِي) رفعا بالابتداء ، (فَهُوَ يَهْدِينِ) : ابتداء وخبر في موضع الخبر عن الذي ، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط. انتهى. وليس الذي هنا فيه معنى اسم الشرط لأنه خاص ، ولا يتخيل فيه العموم ، فليس نظير : الذي يأتيني فله درهم ، وأيضا ليس الفعل الذي هو خلق لا يمكن فيه تحدد بالنسبة إلى إبراهيم.
وتابع أبو البقاء الحوفي في إعرابه هذا ، لكنه لم يقل : ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط. فإن كان أراد ذلك ، فليس بجيد لما ذكرناه ، وإن لم يرده ، فلا يجوز ذلك إلا على زيادة الفاء ، على مذهب الأخفش في نحو : زيد فاضربه ؛ الذي خلقني بقدرته فهو يهدين إلى طاعته. وقيل : إلى جنته. وقال الزمخشري : فهو يهدين ، يريد أنه حين أتم خلقه ، ونفخ فيه الروح عقب هدايته المتصلة التي لا تنقطع إلى ما يصلحه ويعينه ، وإلا فمن هداه إلى أن يغتذي بالدم في البطن امتصاصا؟ ومن هداه إلى معرفة الثدي عند الولادة؟ وإلى معرفة مكانه؟ ومن هداه لكيفية الارتضاع؟ إلى غير ذلك من هدايات المعاش والمعاد. انتهى. والظاهر أن قوله : (يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) : الطعام المعروف المعهود ، والسقي المعهود ، وفيه تعديد نعمة الرزق. وقال أبو بكر الوراق : يطعمني بلا طعام ، ويسقيني بلا شراب ، كما جاء أني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ولما كان الخلق لا يمكن أن يدعيه أحد لم يؤكد فيه بهو ، فلم يكن التركيب الذي هو خلقني ، ولما كانت الهداية قد يمكن ادعاؤها. والإطعام والسقي كذلك أكد بهو في قوله : (فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي) ، وذكر بعد نعمة الخلق والهداية ما تدوم به الحياة ويستمر به نظام الخلق ، وهو الغذاء والشرب. ولما كان ذلك سببا لغلبة إحدى الكيفيات على الأخرى بزيادة الغذاء أو نقصانه ، فيحدث بذلك مرض ذكر نعمته ، بإزالة ما حدث من السقم ، وأضاف المرض إلى نفسه ، ولم يأت التركيب : وإذا أمرضني ، وإن كان تعالى هو الفاعل لذلك وإبراهيم عليهالسلام عدد نعم الله تعالى عليه والشفاء محبوب والمرض مكروه ، ولما لم يكن المرض منها ، لم يضفه إلى الله. وعن جعفر الصادق ، ولعله لا يصح : وإذا مرضت بالذنوب شفاني بالتوبة.