قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المحيط في التّفسير [ ج ٧ ]

586/594
*

سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

يقول الله لهم على لسان من يشاء من ملائكته (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي) وهي القرآن ، ولما سمعوا هذا التقرير أذعنوا وأقروا على أنفسهم بقولهم (غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) من قولهم : غلبني فلان على كذا إذا أخذه منك وامتلكه ، والشقاوة سوء العاقبة. وقيل : الشقوة الهوى وقضاء اللذات لأن ذلك يؤدي إلى الشقوة. أطلق اسم المسبب على السبب قاله الجبائي. وقيل : ما كتب علينا في اللوح المحفوظ وسبق به علمك. وقرأ عبد الله والحسن وقتادة وحمزة والكسائي والمفضل عن عاصم وأبان والزعفراني وابن مقسم : شقاوتنا بوزن السعادة وهي لغة فاشية ، وقتادة أيضا والحسن في رواية خالد بن حوشب عنه كذلك إلّا أنه بكسر الشين ، وباقي السبعة والجمهور بكسر الشين وسكون القاف وهي لغة كثيرة في الحجاز. قال الفراء : أنشدني أبو ثروان وكان فصيحا :

علق من عنائه وشقوته

بنت ثماني عشرة من حجته

وقرأ شبل في اختياره بفتح الشين وسكون القاف. (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) أي عن الهدى ، ثم تدرجوا من الإقرار إلى الرغبة والتضرع وذلك أنهم أقروا والإقرار بالذنب اعتذار ، فقالوا (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) أي من جهنم (فَإِنْ عُدْنا) أي إلى التكذيب واتخاذ آلهة وعبادة غيرك (فَإِنَّا ظالِمُونَ) أي متجاوزو الحد في العدوان حيث ظلمنا أنفسنا أولا ثم سومحنا فظلمناها ثانيا. وحكى الطبري حديثا طويلا في مقاولة تكوين بين الكفار وبين مالك خازن النار ، ثم بينهم وبين ربهم جل وعز وآخرها (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) قال وتنطبق عليهم جهنم ويقع اليأس ويبقون ينبح بعضهم في وجه بعض. قال ابن عطية : واختصرت ذلك الحديث لعدم صحته ، لكن معناه صحيح ومعنى (اخْسَؤُا) أي ذلوا فيها وانزجروا كما تنزجر الكلاب إذا ازجرت ، يقال : خسأت الكلب وخسأ هو بنفسه يكون متعديا ولازما. و (لا تُكَلِّمُونِ) أي في رفع العذاب أو تخفيفه. قيل : هو آخر كلام يتكلمون به ثم لا كلام بعد ذلك إلّا الشهيق والزفير والعواء كعواء الكلاب ولا يفهمون.