قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المحيط في التّفسير [ ج ٧ ]

51/594
*

وقيل : ذكر (مَكْرُوهاً) على لفظ (كُلُ) وجوزوا في (مَكْرُوهاً) أن يكون خبرا ثانيا لكان على مذهب من يجيز تعداد الأخبار لكان ، وأن يكون بدلا من سيئة والبدل بالمشتق ضعيف ، وأن يكون حالا من الضمير المستكن في الظرف قبله والظرف في موضع الصفة. قيل : ويجوز أن يكون نعتا لسيئة لما كان تأنيثها مجازيا جاز أن توصف بمذكر ، وضعف هذا بأن جواز ذلك إنما هو في الإسناد إلى المؤنث المجازي إذا تقدم ، أما إذا تأخر وأسند إلى ضميرها فهو قبيح ، تقول : أبقل الأرض إبقالها فصيحا والأرض أبقل قبيح ، وأما من قرأ (سَيِّئُهُ) بالتذكير والإضافة فسيئة اسم (كانَ) و (مَكْرُوهاً) الخبر ، ولما تقدم من الخصال ما هو سيىء وما هو حسن أشير بذلك إلى المجموع وأفرد سيئة وهو المنهي عنه ، فالحكم عليه بالكراهة من قوله لا تجعل إلى آخر المنهيات. وأما قراءة عبد الله فتخرج على أن يكون مما أخبر فيه عن الجمع إخبار الواحد المذكر وهو قليل نحو قوله :

فإن الحوادث أودى بها

لصلاحية الحدثان مكان الحوادث وكذلك هذا أيضا كان ما يسوء مكان سيئاته ذلك إشارة إلى جميع أنواع التكاليف من قوله (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ـ إلى قوله ـ (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) (١) وهي أربعة وعشرون نوعا من التكاليف بعضها أمر وبعضها نهي بدأها بقوله (لا تَجْعَلْ). واختتم الآيات بقوله (وَلا تَجْعَلْ) وقال : مما أوحى لأن ذلك بعض مما أوحي إليه إذ أوحى إليه بتكاليف أخر ، و (مِمَّا أَوْحى) خبر عن ذلك ، و (مِنَ الْحِكْمَةِ) يجوز أن يكون متعلقا بأوحى وأن يكون بدلا من ما ، وأن يكون حالا من الضمير المنصوب المحذوف العائد على ما وكانت هذه التكاليف حكمة لأن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتوحيد وأنواع الطاعات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ، والعقول تدل على صحتها وهي شرائع في جميع الأديان لا تقبل النسخ.

وعن ابن عباس : إن هذه الآيات كانت في ألواح موسى عليه‌السلام ، أولها (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) قال تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) (٢) وكرر تعالى النهي عن الشرك ، ففي النهي الأول. (فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) (٣) وفي الثاني (فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) والفرق بين مذموم وملوم أن كونه مذموما أن يذكر أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح منكر ، وكونه ملوما أن يقال له بعد

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٣٧.

(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٤٥.

(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ١٨.