(يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) وقرى إنهم بالكسر فيكون الكلام قد تم عند قوله (أَهْلَكْناها) ويقدر محذوف تصير به (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) جملة أي ذاك ، وتكون إشارة إلى العمل الصالح المذكور في قسيم هؤلاء المهلكين ، والمعنى (وَحَرامٌ عَلى) أهل (قَرْيَةٍ) قدرنا إهلاكهم لكفرهم عمل صالح ينجون به من الإهلاك ثم أكد ذلك وعلله بأنهم (لا يَرْجِعُونَ) عن الكفر ، فكيف لا يمتنع ذلك فالمحذوف مبتدأ والخبر (وَحَرامٌ) وقدره بعضهم متقدما كأنه قال : والإقالة والتوبة حرام. وقراءة الجمهور بالفتح تصح على هذا المعنى وتكون (لا) نافية على بابها والتقدير لأنهم لا يرجعون. وقيل (أَهْلَكْناها) أي وقع إهلاكنا إياهم ويكون رجوعهم إلى الدنيا فيتوبون بل هم صائرون إلى العذاب. وقيل : الإهلاك بالطبع على القلوب ، والرجوع هو إلى التوبة والإيمان. وقال الزجاج (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) حكمنا بإهلاكها أن نتقبل أعمالهم لأنها (لا يَرْجِعُونَ) أي لا يتوبون ، ودل على هذا المعنى قوله قبل (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) أي يتقبل عمله ثم ذكر هذا عقيبه وبين أن الكافر لا يتقبل عمله.
وقال أبو مسلم بن بحر (حَرامٌ) ممتنع و (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) انتقام الرجوع إلى الآخرة ، وإذا امتنع الانتفاء وجب الرجوع فالمعنى أنه يجب رجوعهم إلى الحياة في الدار الآخرة ويكون الغرض إنكار قول من ينكر البعث ، وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعي أحد وأنه يجزى على ذلك يوم القيامة. وقيل : الحرام يجيء بمعنى الواجب يدل عليه (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا) (١) وترك الشرك واجب. وقالت الخنساء :
حرام علي أن لا أرى الدهر باكيا |
|
على شجوه إلّا بكيت على صخر |
وأيضا فمن الاستعمال إطلاق الضمير على ضده ، وعلى هذا فقال مجاهد والحسن (لا يَرْجِعُونَ) عن الشرك. وقال قتادة ومقاتل : إلى الدنيا. قال ابن عطية : ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن وذلك أنه ذكر من عمل صالحا وهو مؤمن ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب ولا يرجعون إلى معاد فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم ، فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء أي وممتنع على الكفرة المهلكين (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه ، فيكون لا على بابها والحرام على بابه. وكذلك الحرم فتأمله انتهى.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٥١.