على المتقين ، واتخاذ العهد هو العمل الصالح الذي يحصل به في حيّز من يشفع. وتظافرت الأحاديث على أن أهل العلم والصلاح يشفعون فيشفعون. وفي الحديث : «إن في أمتي رجلا يدخل الله بشفاعته أكثر من بني تميم». وقال قتادة : كنا نحدث أن الشهيد يشفع في سبعين. وقال بعض من جعل الضمير للمتقين : المعنى لا يملك المتقون (الشَّفاعَةَ) إلّا لهذا الصنف ، فعلى هذا يكون من اتخذ المشفوع فيهم ، وعلى التأويل الأول يكون من اتخذ الشافعين فالتقدير على التقدير الثاني لا يملكون الشفاعة لأحد إلّا من اتخذ فيكون في موضع نصب كما قال : فلم ينج إلّا جفن سيف ومئزرا.
أي لم ينج شيء إلا جفن سيف. وعلى هذه الأقوال الواو ضمير. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون يعني الواو في (لا يَمْلِكُونَ) علامة للجمع كالتي في أكلوني البراغيث ، والفاعل من (اتَّخَذَ) لأنه في معنى الجمع انتهى. ولا ينبغي حمل القرآن على هذه اللغة القليلة مع وضوح جعل الواو ضميرا. وذكر الأستاذ أبو الحسن بن عصفور أنها لغة ضعيفة. وأيضا قالوا : والألف والنون التي تكون علامات لا ضمائر لا يحفظ ما يجيء بعدها فاعلا إلّا بصريح الجمع وصريح التثنية أو العطف ، إما أن تأتي بلفظ مفرد يطلق على جمع أو على مثنى فيحتاج في إثبات ذلك إلى نقل ، وأما عود الضمائر مثناة ومجموعة على مفرد في اللفظ يراد به المثنى ، والمجموع فمسموع معروف في لسان العرب على أنه يمكن قياس هذه العلامات على تلك الضمائر ، ولكن الأحفظ أن لا يقال ذلك إلّا بسماع. وقال الزمخشري : ويجوز أن ينتصب يعني من على تقدير حذف المضاف أي إلّا شفاعة من (اتَّخَذَ).
والعهد هنا. قال ابن عباس : لا إله إلّا الله محمد رسول الله. وفي الحديث من قال : «لا إله إلّا الله محمد رسول الله كان له عند الله عهد». وقال السدي : العهد الطاعة. وقال ابن جريج : العمل الصالح. وقال الليث : حفظ كتاب الله. وقيل : عهد الله إذنه لمن شاء في الشفاعة من عهد الأمير إلى فلان بكذا ، أي أمره به أي لا يشفع إلّا المأمور بالشفاعة المأذون له فيها. ويؤيده (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) (١) (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) (٢). (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ
__________________
(١) سورة سبأ : ٣٤ / ٢٣.
(٢) سورة طه : ٢٠ / ١٠٩.