عند العقبة فقالوا : اشترط لك ولربك ، والمتكلم بذلك عبد الله بن رواحة ، فاشترط صلىاللهعليهوسلم حمايته مما يحمون منه أنفسهم ، واشترط لربه التزام الشريعة وقتال الأحمر والأسود في الدفع عن الحوزة فقالوا : ما لنا على ذلك؟ قال : الجنة ، فقالوا : نعم ربح البيع ، لا تقيل ولا نقائل. وفي بعض الروايات : ولا نستقيل ، فنزلت.
والآية عامة في كل من جاهد في سبيل الله من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم إلى يوم القيامة ، وعن جابر بن عبد الله : نزلت ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في المسجد فكبر الناس ، فأقبل رجل من الأنصار ثانيا طرف ركابه على أحد عاتقيه فقال : يا رسول الله أنزلت هذه الآية؟ قال : «نعم» فقال : بيع ربح لا تقيل ولا نستقيل. وفي بعض الروايات : فخرج إلى الغزو فاستشهد. وقال الحسن : لا والله إن في الأرض مؤمن إلا وقد أحدث بيعته. وقرأ عمر بن الخطاب والأعمش : وأموالهم بالجنة ، مثّل تعالى إثابتهم بالجنة على بذل أنفسهم وأموالهم في سبيله بالشراء ، وقدم الأنفس على الأموال ابتداء بالأشرف وبما لا عوض له إذا فقد. وفي لفظة اشترى لطيفة وهي : رغبة المشتري فيما اشتراه واعتباطه به ، ولم يأت التركيب أن المؤمنين باعوا ، والظاهر أنّ هذا الشراء هو مع المجاهدين. وقال ابن عيينة : اشترى منهم أنفسهم أن لا يعملوها إلا في طاعة ، وأموالهم أن لا ينفقوها إلا في سبيل الله ، فالآية على هذا أعم من القتل في سبيل الله. وعلى هذا القول يكون يقاتلون مستأنفا ، ذكر أعظم أحوالهم ، ونبه على أشرف مقامهم. وعلى الظاهر وقول الجمهور يكون يقاتلون ، في موضع الحال. وقرأ الحسن ، وقتادة ، وأبو رجاء ، والعربيان ، والحرميان ، وعاصم : أولا على البناء للفاعل ، وثانيا على البناء للمفعول. وقرأ النخعي وابن وثاب وطلحة والأعمش والأخوان بعكس ذلك ، والمعنى واحد ، إذ الغرض أنّ المؤمنين يقاتلون ويؤخذ منهم من يقتل ، وفيهم من يقتل ، وفيهم من يجتمع له الأمران ، وفيهم من لا يقع له واحد منهما ، بل تحصل منهم المقاتلة. وقال الزمخشري : يقاتلون فيه معنى الأمر لقوله تعالى : (تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) (١) انتهى. فعلى هذا لا تكون الجملة في موضع الحال ، لأن ما فيه معنى الأمر لا يقع حالا. وانتصب وعدا على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة ، لأنّ معنى اشترى بأن لهم الجنة وعدهم الله الجنة على الجهاد في سبيله ، والظاهر من قوله : في التوراة
__________________
(١) سورة الصف : ٦١ / ١١.