متعلق بمحذوف دل عليه الكلام تقديره : هلّا أخرتهم إلى أن يتبين أو ليتبين. وقوله : لم أذنت لهم يدل على المحذوف. ولا يجوز أن تتعلق حتى بأذنت ، لأن ذلك يوجب أن يكون أذن لهم إلى هذه الغاية ، أو لأجل التبيين ، وهذا لا يعاتب عليه انتهى. وكلام الزمخشري في تفسير قوله : عفا الله عنك لم أذنت لهم ، مما يجب اطراحه ، فضلا عن أن يذكر فيردّ عليه. وقوله : الذين صدقوا أي : في استئذانك. وأنك لو لم تأذن لهم خرجوا معك. وتعلم الكاذبين : تريد في أنهم استأذنوك يظهرون لك أنهم يقفون عند حدك وهم كذبة ، وقد عزموا على العصيان أذنت لهم أو لم تأذن. وقال الطبري : حتى تعلم الصادقين في أنّ لهم عذرا ، وتعلم الكاذبين في أن الأعذار لهم. وقال قتادة : نزلت بعد هذه الآية آية النور ، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم. وهذا غلط ، لأنّ النور نزلت سنة أربع من الهجرة في غزوة الخندق في استئذان بعض المؤمنين الرسول في بعض شأنهم في بيوتهم في بعض الأوقات ، فأباح الله أن يأذن ، فتباينت الآيتان في الوقت والمعنى.
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) : قال ابن عباس : لا يستأذنك أي بعد غزوة تبوك. وقال الجمهور : ليس كذلك ، لأنّ ما قبل هذه الآية وما بعدها ورد في قصة تبوك ، والظاهر أن متعلق الاستئذان هو أن يجاهدوا أي : ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا ، وكان الخلص من المهاجرين والأنصار لا يستأذنون النبي صلىاللهعليهوسلم أبدا ، ويقولون : لنجاهدن معه بأموالنا وأنفسنا. وقيل : التقدير لا يستأذنك المؤمنون في الخروج ولا القعود كراهة أن يجاهدوا ، بل إذا أمرت بشيء ابتدروا إليه ، وكان الاستئذان في ذلك الوقت علامة على النفاق. وقوله : والله عليم بالمتقين ، شهادة لهم بالانتظام في زمرة المتقين ، وعدة لهم بأجزل الثواب.
(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) : هم المنافقون وكانوا تسعة وثلاثين رجلا. ومعنى ارتابت : شكت. ويتردّدون : يتحيرون ، لا يتجه لهم هدى فتارة يخطر لهم صحة أمر الرسول ، وتارة يخطر لهم خلاف ذلك.
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) قال ابن عباس : عدّة من الزاد والماء والراحلة ، لأنّ سفرهم بعيد في زمان حر شديد. وفي تركهم العدّة دليل على أنهم أرادوا التخلف. وقال قوم : كانوا قادرين على