وقيل : اللام بمعنى إلى ويتعلّق باستجيبوا فلذلك قدّره بإلى حتى يتغاير مدلول اللام فيتعلق الحرفان بفعل واحد ، قال مجاهد والجمهور : المعنى (اسْتَجِيبُوا) للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ففيه الحياة الأبدية والنّعمة السرمديّة ، وقيل : (لِما يُحْيِيكُمْ) هو مجاهدة الكفار لأنهم لو تركوها لغلبوهم وقتلوهم ولكم في القصاص حياة (١) ، وقيل : الشهادة لقوله : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٢) قاله ابن إسحاق ، وقيل : لما يحييكم من علوم الديانات والشرائع لأنّ العلم حياة كما أنّ الجهل موت. قال الشاعر :
لا تعجبن الجهول حليته |
|
فذاك ميّت وثوبه كفن |
وهذا نحو من قول الجمهور ومجاهد ، وقال مجاهد أيضا : (لِما يُحْيِيكُمْ) هو الحقّ ، وقيل : هو إحياء أمورهم وطيب أحوالهم في الدنيا ورفعتهم ، يقال : حييت حاله إذا ارتفعت ، وقيل : ما يحصل لكم من الغنائم في الجهاد ويعيشون منها ، وقيل : الجثة والذي يظهر هو القول الأوّل لأنه في سياق قوله (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) فالذي يحيا به من الجهل هو سماع ما ينفع مما أمر به ونهى عنه فيمتثل المأمور به ويجتنب المنهي عنه فيؤول إلى الحياتين الطيبتين الدنيوية والأخروية.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) المعنى : أنه تعالى هو المتصرّف في جميع الأشياء والقادر على الحيلولة بين الإنسان وبين ما يشتهيه قلبه فهو الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاه إذ بيده تعالى ملكوت كل شيء وزمامه وفي ذلك حضّ على المراقبة والخوف من الله تعالى والبدار إلى الاستجابة له ، وقال ابن عباس وابن جبير والضحاك : (يَحُولُ بَيْنَ) المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان ، وقال مجاهد : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ) وعقله فلا يدري ما يعمل عقوبة على عناده ففي التنزيل (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) (٣) أي عقل ، وقال السدي : (يَحُولُ بَيْنَ) كل واحد (وَقَلْبِهِ) فلا يقدر على إيمان ولا كفر إلا بإذنه ، وقال ابن الأنباري : بينه وبين ما يتمناه ، وقال ابن قتيبة : بينه وبين هواه وهذان راجعان إلى القول الأول ، وقال علي بن عيسى : هو أن يتوفاه ولأنّ الأجل يحول بينه وبين أمل قلبه وهذا حثّ على انتهاز الفرصة قبل الوفاة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص سلب ومخالجة أدوائه وعلله وردّه سليما كما يريده الله فاغتنموا هذه
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٧٩.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٩.
(٣) سورة ق : ٥ / ٣٧.