(أَعَجِلْتُمْ) استفهام إنكار قال الزمخشري يقال : عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره ويضمن معنى سبق فيعدّى تعديته ، فيقال : عجلت الأمر والمعنى (أَعَجِلْتُمْ) عن (أَمْرَ رَبِّكُمْ) وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلع آخره ، ولم أرجع إليكم فحدّثتم أنفسكم بموتي فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم ، وروي أن السامري قال لهم أحين أخرج إليهم العجل هذا إلهكم وإله موسى أن موسى لن يرجع وأنه قد مات انتهى. وقال ابن عطية : معناه أسابقتم قضاء ربكم واستعجلتم إتياني من قبل الوقت الذي قدّرته انتهى ، وقال يعقوب : يقال عجلت الشيء سبقته وأعجلت الرجل استعجلته أي حملته على العجلة انتهى ، وقيل : معناه (أَعَجِلْتُمْ) ميعاد ربكم أربعين ليلة ، وقيل : (أَعَجِلْتُمْ) سخط ربكم ، وقيل : (أَعَجِلْتُمْ) بعبادة العجل ، وقيل : العجلة التقدّم بالشيء في غير وقته ، قيل : وهي مذمومة ويضعفه قوله وعجلت إليك ربّ لترضى والسرعة المبادرة بالشيء في غير وقته وهي محمودة.
(وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) أي (الْأَلْواحَ) التوراة وكان حاملا لها فوضعها بالأرض غضبا على ما فعله قومه من عبادة العجل وحمية لدين الله وكان كما تقدم شديد الغضب وقالوا كان هارون ألين منه خلقا ولذلك كان أحب إلى بني إسرائيل منه. وقيل : ألقاها دهشا لما دهمه من أمرهم ، وعن ابن عباس : أن موسى عليهالسلام لما ألقاها تكسرت فرفع أكثرها الذي فيه تفصيل كل شيء وبقي الذي في نسخته الهدى والرحمة وهو الذي أخذ بعد ذلك ، وروي أنها رفع ستة أسباعها وبقي سبع قاله جماعة من المفسرين ، وقال أبو الفرج بن الجوزيّ لا يصحّ أنه رماها رمي كاسر انتهى ، والظاهر أنه ألقاها من يديه لأنهما كانتا مشغولتين بها وأراد إمساك أخيه وجرّه ولا يتأتى ذلك إلا بفراغ يديه لجرّه وفي قوله (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ) دليل على أنها لم تتكسر ودليل على أنه لم يرفع منها شيء والظاهر أنه أخذ برأسه أي أمسك رأسه جاره إليه ، وقيل : بشعر رأسه ، وقيل : بذوائبه ولحيته ، وقيل : بلحيته ، وقيل : بأذنه ، وقيل : لم يأخذ حقيقة وإنما كان ذلك إشارة فخشي هارون أن يتوّهم الناظر إليهما أنه لغضب فلذلك نهاه ورغب إليه والظهر أن سبب هذا الأخذ هو غضبه على أخيه وكيف عبدوا العجل وهو قد استخلفه فيهم وأمره بالإصلاح وأن لا يتبع سبيل من أفسد وكيف لم يزجرهم ويكفهم عن ذلك ويدل على هذا الظاهر قوله : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) وقوله : (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي