يشتركان في المبتدأ الذي هو منافقون ، ويكون مردوا استئنافا ، أخبر عنهم أنهم خريجون في النفاق. ويبعد أن يكون مردوا صفة للمبتدأ الذي هو منافقون ، لأجل الفصل بين الصفة والموصوف بالمعطوف على وممن حولكم ، فيصير نظير في الدار زيد وفي القصر العاقل ، وقد أجازه الزمخشري تابعا للزجاج. ويجوز أن يكون من عطف الجمل ، ويقدر موصوف محذوف هو المبتدأ أي : ومن أهل المدينة قوم مردوا ، أو منافقون مردوا. قال الزمخشري : كقوله : أنا ابن جلا. انتهى. فإن كان شبهه في مطلق حذف الموصوف ، وإن كان شبهه في خصوصيته فليس بحسن ، لأن حذف الموصوف مع من وإقامة صفته مقامه ، وهي في تقدير الاسم ، ولا سيما في التفصيل منقاس كقولهم : منا ظعن ومنا أقام. وأما أن ابن جلا فضرورة شعر كقوله :
يرمي بكفي كان من أرمى البشر
أي بكفي رجل. وكذلك أنا ابن جلا تقديره : أنا ابن رجل جلا أي كشف الأمور. وبينها وعلى الوجه الأول يكون مردوا شاملا للنوعين ، وعلى الوجه الثاني يكون مختصا بأهل المدينة. وتقدم شرح مردوا في قوله : (شَيْطاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللهُ) (١) وقال هنا ابن عباس : مردوا ، مرنوا وثبتوا ، وقال أبو عبيدة : عتوا من قولهم تمرد. وقال ابن زيد : أقاموا عليه لم يتوبوا لا تعلمهم أي : حتى نعلمك بهم ، أو لا تعلم عواقب أمرهم ، حكاه ابن الجوزي. أو لا تعلمهم منافقين ، لأن النفاق مختص بالقلب. وتقدم لفظ منافقين فدل على المحذوف ، فتعدت إلى اثنين قاله : الكرماني. وقال الزمخشري : يخفون عليك مع فطنتك وشهامتك وصدق فراستك لفرط توقيهم ما يشكك في أمرهم. وأسند الطبري عن قتادة في قوله : لا تعلمهم نحن نعلمهم قال : فما بال أقوام يتكلفون علم الناس؟ فلان في الجنة ، فلان في النار ، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال : لا أدري أنت لعمري بنفسك أعلم منك بأعمال الناس ، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه الرسل. قال نبي الله نوح : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) وقال نبي الله شعيب : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (٣) وقال الله تعالى لنبيه : (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) انتهى. فلو عاش قتادة إلى هذا العصر الذي هو قرن ثمانمائة وسمع ما أحدث هؤلاء المنسوبون إلى الصوف من الدعاوى
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١١٧ ـ ١١٨.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ١١٢.
(٣) سورة هود : ١١ / ٨٦.