فقدم الوصف بالمجرور ثم بالجملة ، وهو ماض بمعنى المستقبل ، لأن الموت غير موجود لا محالة. نهاه الله عن الصلاة عليه ، والقيام على قبره وهو الوقوف عند قبره حتى يفرغ من دفنه. وقيل : المعنى ولا تتولوا دفنه وقبره ، فالقبر مصدر. كان صلىاللهعليهوسلم إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له ، فنهي عن ذلك في حق المنافقين ، فلم يصل بعد على منافق ، ولا قام على قبره. إنهم كفروا تعليل للمنع من الصلاة والقيام بما يقتضي الامتناع من ذلك ، وهو الكفر والموافاة عليه.
(وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) : تقدّم نظير هذه الآية وأعيد ذلك لأن تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده ، وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه ، وأن يعتقد أن العمل به مهم يفتقر إلى فضل عناية به ، لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين. فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه ، فهو يرجع إليه في أثناء حديثه ، ويتخلص إليه. وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه قاله : الزمخشري. وقال ابن عطية : ووجه تكريرها توكيد هذا المعنى. وقال أبو علي : ظاهره أنه تكرير وليس بتكرير ، لأن الآيتين في فريقين من المنافقين ، ولو كان تكريرا لكان مع تباعد الآيتين لفائدة التأكيد والتذكير. وقيل : أراد بالأولى لا تعظمهم في حال حياتهم بسبب كثرة المال والولد ، وبالثانية لا تعظمهم بعد وفاتهم لمانع الكفر والنفاق. وقد تغايرت الآيتان في ألفاظ هنا ، ولا ، وهناك ، فلا ومناسبة الفاء أنه عقب قوله : ولا ينفقون إلا وهم كارهون أي : للإنفاق ، فهم معجبون بكثرة الأموال والأولاد ، فنهاه عن الإعجاب بفاء التعقيب. ومناسبة الواو أنه نهي عطف على نهي قبله. ولا تصلّ ، ولا تقم ، ولا تعجبك ، فناسبت الواو وهنا وأولادهم وهناك ، ولا أولادهم ، فذكر لا مشعر بالنهي عن الإعجاب بكل واحد واحد على انفراد. ويتضمن ذلك النهي عن المجموع ، وهنا سقطت ، فكان نهيا عن إعجاب المجموع. ويتضمن ذلك النهى عن الإعجاب بكل واحد واحد. فدلت الآيتان بمنطوقهما ومفهومهما على النهي عن الإعجاب بالأموال والأولاد مجتمعين ومنفردين. وهنا أن يعذبهم ، وهناك ليعذبهم ، فأتى باللام مشعرة بالتعليل. ومفعول يريد محذوف أي : إنما يريد الله ابتلاءهم بالأموال والأولاد لتعذيبهم. وأتى بأن لأنّ مصب الإرادة هو التعذيب أي : إنما يريد الله تعذيبهم. فقد اختلف متعلق الفعل في الآيتين هذا الظاهر ، وإن كان يحتمل زيادة اللام. والتعليل بأنّ وهناك الدنيا ، وهنا في الحياة الدنيا ، فأثبت في الحياة على الأصل ، وحذفت هنا تنبيها على خسة الدنيا ،