وقال بعضهم : ائذن لنا في الإقامة ، فأذن لهم استبقاء منه عليهم ، وأخذا بالأسهل من الأمور ، وتوكلا على الله. قال مجاهد : قال بعضهم : نستأذنه ، فإن أذن في القعود قعدنا ، وإن لم يأذن قعدتا ، فنزلت الآية في ذلك انتهى. وقال أبو عبد الله إبراهيم بن عرفة النجوي الداودي المنبوذ بنفطويه : ذهب ناس إلى أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم معاتب بهذه الآية ، وحاشاه من ذلك ، بل كان له أن يفعل وأن لا يفعل حتى ينزل عليه الوحي كما قال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة» لأنه كان له أن يفعل وأن لا يفعل. وقد قال الله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) (١) لأنه كان له أن يفعل ما يشاء مما لم ينزل عليه فيه وحي. واستأذنه المخلفون في التخلف واعتذروا ، اختار أيسر الأمرين تكرما وتفضلا منه صلىاللهعليهوسلم ، فأبان الله تعالى أنه لو لم يأذن لهم لأقاموا للنفاق الذي في قلوبهم ، وأنهم كاذبون في إظهار الطاعة والمشاورة ، فعفا الله عنك عنده افتتاح كلام أعلمه الله به ، أنه لا حرج عليه فيما فعله من الإذن ، وليس هو عفوا عن ذنب ، إنما هو أنه تعالى أعلمه أنه لا يلزمه ترك الإذن لهم كما قال صلىاللهعليهوسلم : «عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق» وما وجبتا قط ومعناه : ترك أن يلزمكم ذلك انتهى. ووافقه عليه قوم فقالوا : ذكر العفو هنا لم يكن عن تقدم ذنب ، وإنما هو استفتاح كلام جرت عادة العربان تخاطب بمثله لمن تعظمه وترفع من قدره ، يقصدون بذلك الدعاء له فيقولون : أصلح الله الأمير كان كذا وكذا ، فعلى هذا صيغته صيغة الخبر ، ومعناه الدعاء انتهى.
ولم ولهم متعلقان بأذنت ، لكنه اختلف مدلول اللامين ، إذ لام لم للتعليل ، ولام لهم للتبليغ ، فجاز ذلك لاختلاف معنييهما. ومتعلق الإذن غير مذكور ، فما قدمناه يدل على أنه القعود أي : لم أذنت لهم في القعود والتخلف عن الغزو حتى تعرف ذوي العذر في التخلف ممن لا عذر له. وقيل : متعلق الإذن هو الخروج معه للغزو ، لما ترتب على خروجهم من المفاسد ، لأنهم كانوا عينا للكفار على المسلمين. ويدل عليه قوله : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) (٢) وكانوا يخذلون المؤمنين ويتمنون أن تكون الدائرة عليهم فقيل : لم أذنت لهم في إخراجهم وهم على هذه الحالة السيئة؟ وبيّن أنّ خروجهم معه ليس مصلحة بقوله : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) (٣). وحتى غاية لما تضمنه الاستفهام أي : ما كان أن تأذن لهم حتى يتبين من له العذر ، هكذا قدره الحوفي. وقال أبو البقاء : حتى يتبين
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٥١.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٤٧.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ٤٧.