وأحبوا المقام ، نزلت عتابا على من تخلف عن هذه الغزوة ، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام ، غزا فيها الروم في عشرين ألفا من راكب وراجل ، وتخلف عنه قبائل من الناس ورجال من المؤمنين كثير ومنافقون. وخص الثلاثة بالعتاب الشديد بحسب مكانهم من الصحبة ، إذ هم من أهل بدر وممن يقتدى بهم ، وكان تخلفهم لغير علة حسبما يأتي إن شاء الله تعالى. ولما شرح معاتب الكفار رغب في مقابلتهم. وما لكم استفهام معناه الإنكار والتقريع ، وبني قيل للمفعول ، والقائل هو الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يذكر إغلاظا ومخاشنة لهم وصونا لذكره. إذ أخلد إلى الهوينا والدعة : من أخلد وخالف أمره صلىاللهعليهوسلم.
وقرأ الأعمش : تثاقلتم وهو أصل قراءة الجمهور اثاقلتم ، وهو ماض بمعنى المضارع ، وهو في موضع الحال ، وهو عامل في إذا أي : ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم انفروا. وقال أبو البقاء : الماضي هنا بمعنى المضارع أي : ما لكم تتثاقلون ، وموضعه نصب. أي : أيّ شيء لكم في التثاقل ، أو في موضع جر على مذهب الخليل انتهى. وهذا ليس بجيد ، لأنه يلزم منه حذف أن ، لأنه لا ينسبك مصدر إلا من حرف مصدري والفعل ، وحذف أن في نحو هذا قليل جدا أو ضرورة. وإذا كان التقدير في التثاقل فلا يمكن عمله في إذا ، لأن معمول المصدر الموصول لا يتقدم عليه فيكون الناصب لإذا ، والمتعلق به في التثاقل ما هو معلوم لكم الواقع خبرا لما. وقرىء : اثاقلتم على الاستفهام الذي معناه الإنكار والتوبيخ ، ولا يمكن أن يعمل في إذا ما بعد حرف الاستفهام. فقال الزمخشري : يعمل فيه ما دل عليه ، أو ما في ما لكم من معنى الفعل ، كأنه قال : ما تصنعون إذا قيل لكم ، كما تعمله في الحال إذا قلت : ما لك قائما. والأظهر أن يكون التقدير : ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم انفروا ، وحذف لدلالة اثاقلتم عليه. ومعنى اثاقلتم إلى الأرض : ملتم إلى شهوات الدنيا حين أخرجت الأرض ثمارها قاله مجاهد وكرهتم مشاق السفر. وقيل ملتم إلى الإقامة بأرضكم قاله : الزجاج. ولما ضمن معنى الميل والإخلاد عدي بإلى. وفي قوله : أرضيتم ، نوع من الإنكار والتعجب أي : أرضيتم بالنعيم العاجل في الدنيا الزائل بدل النعيم الباقي. ومن تظافرت أقوال المفسرين على أنها بمعنى بدل أي : بدل الآخرة كقوله : (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) (١) أي بدلا ، ومنه قول الشاعر :
فليت لنا من ماء زمزم شربة |
|
مبردة باتت على طهيان |
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٦٠.