قال الزمخشري : «كل مرصد» كل ممر ومجتاز ترصدونهم فيه ، وانتصابه على الظرف كقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١) انتهى. وهذا الذي قاله الزجاج قال : كل مرصد ظرف ، كقولك : ذهبت مذهبا ورده أبو علي ، لأنّ المرصد المكان الذي يرصد فيه العدوّ ، فهو مكان مخصوص لا يحذف الحرف منه إلا سماعا كما حكي سيبويه : دخلت البيت ، وكما غسل الطريق الثعلب انتهى. وأقول : يصح انتصابه على الظرف ، لأن قوله : «واقعدوا لهم» ليس معناه حقيقة القعود ، بل المعنى ارصدوهم في كل مكان يرصد فيه ، ولما كان بهذا المعنى جاز قياسا أن يحذف منه في كما قال : وقد قعدوا منها كل مقعد.
فمتى كان العامل في الظرف المختص عاملا من لفظه أو من معناه ، جاز أن يصل إليه بغير واسطة في ، فيجوز جلست مجلس زيد ، وقعدت مجلس زيد ، تريد في مجلس زيد. فكما يتعدى الفعل إلى المصدر من غير لفظه إذا كان بمعناه ، فكذلك إلى الظرف. وقال الأخفش : معناه على كل مرصد ، فحذف وأعمل الفعل ، وحذف على ، ووصول الفعل إلى مجرورها فتنصبه ، يخصه أصحابنا بالشعر. وأنشدوا :
تحنّ فتبدي ما بها من صبابة |
|
وأخفى الذي لو لا الأسى لقضاني |
أي لقضي عليّ.
(فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي عن الكفر والغدر. والتوبة تتضمن الإيمان وترك ما كانوا فيه من المعاصي ، ثم نبه على أعظم الشعائر الإسلامية ، وذلك إقامة الصلاة وهي أفضل الأعمال البدنية ، وإيتاء الزكاة وهي أفضل الأعمال المالية ، وبهما تظهر القوة العملية ، كما بالتوبة تظهر القوة العلمية عن الجهل. فخلوا سبيلهم ، كناية عن الكف عنهم وإجرائهم مجرى المسلمين في تصرفاتهم حيث ما شاؤوا ، ولا تتعرضوا لهم كقول الشاعر :
خل السبيل لمن يبنى المنار به
أو يكون المعنى : فأطلقوهم من الأسر والحصر. والظاهر الأول ، لشمول الحكم لمن كان مأسورا وغيره.
وقال ابن زيد : افترضت الصلاة والزكاة جميعا ، وأبى الله أن لا تقبل الصلاة إلا
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١١٦.