فنزلت جوابا لهم ، وقال عطاء أيضا وابن جبير ومجاهد وعمرو بن دينار وزيد بن أسلم والقاسم بن مخيمرة ومسلم بن يسار وشهر بن حوشب وعبد الله بن المبارك : هي في الخطبة يوم الجمعة وضعف هذا القول بأنّ ما يقرأ في الخطبة من القرآن قليل وبأنّ الآية مكية والخطبة لم تكن إلا بعد الهجرة من مكة ، وقال ابن جبير إنها في الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر فيه الإمام من الصلاة ، وقال ابن مسعود أيضا : كان يسلم بعضنا على بعض في الصلاة ويكلمه في حاجته فأمرنا بالسكوت في الصلاة بهذه الآية ، وقال ابن عباس : قرأ في الصلاة المكتوبة وقرأ الصحابة رافعي أصواتهم فخلطوا عليه فالآية فيهم ، وقيل : هو أمر بالاستماع والإنصات إذا أدّي الوحي ، وقال جماعة منهم الزجاج : ليس المراد الصلاة ولا غيرها وإنما المراد بقوله (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه ، كقولك : سمع الله دعاءك أي أجابك ، وقال الحسن : هي على عمومها ففي أي موضع قرىء القرآن وجب على كل حاضر استماعه والسكوت والخطاب في قوله (فَاسْتَمِعُوا) إن كان للكفار فترجى لهم الرحمة باستماعه والإصغاء إليه بأن كان سببا لإيمانهم وإن كان للمؤمنين فرحمتهم هو ثوابهم على الاستماع والإنصات والعمل بمقتضاه ، وإن كان للجميع فرحمة كلّ منهم على ما يناسبه ولعلّ باقية على بابها من توقع الترجي ، وقيل : هي للتعليل.
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ). لما أمرهم تعالى بالاستماع والإنصات إذا شرع في قراءة القرآن ارتقى من أمرهم إلى أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يذكر ربه في نفسه أي بحيث يراقبه ويذكره في الحالة التي لا يشعر بها أحد وهي الحالة الشريفة العليا ، ثم أمره أن يذكره دون الجهر من القول أي يذكره بالقول الخفي الذي لا يشعر بالتذلّل والخشوع من غير صياح ولا تصويت شديد كما تناجى الملوك وتستجلب منهم الرغائب ، وكما قال للصحابة وقد جهروا بالدعاء «إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا اربؤوا على أنفسكم» وكان كلام الصحابة رضياللهعنهم للرسول صلىاللهعليهوسلم سرارا وكما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١) وقال تعالى : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) (٢) لأنّ في الجهر عدم مبالاة بالمخاطب وظهور استعلاء وعدم تذلّل والذكر شامل
__________________
(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ٤.
(٢) سورة الحجرات : ٤٩ / ٢.