حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم ، وقالوا : نحسن الظن بالله ، وكذبوا لو أحسنوا الظن به لأحسنوا العمل. ويحتمل أن يكون الخطاب للمشركين لقولهم : إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لنكونن خيرا منهم وأحسن حالا ، لأوتين مالا وولدا إن لي عنده للحسنى. وكان أهل الكتاب يقولون : نحن أبناء الله وأحباؤه لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، ويعضده تقدم ذكر أهل الشرك انتهى.
وعلى هذه الأقوال وقع الاختلاف في اسم ليس ، وأقربها أنّ الذي يعود الضمير عليه هو الوعد من أنه تعالى يدخلهم الجنّة ، ويليه أن يعود على الإيمان المفهوم من قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (١) كما ذهب إليه الحسن ، ثم إنه يعود على ما وقعت فيه محاورة المؤمنين وأهل الكتاب ، أو ما قالته قريش وأهل الكتاب على ما مر ذكره. وقال الحوفي : اسم ليس مضمر فيها على معنى : ليس الثواب عن الحسنات ولا العقاب على السيئات بأمانيكم ، لأنّ الاستحقاق إنما يكون بالعمل ، لا بالأماني. وقال أبو البقاء : ليس مضمر فيها ولم يتقدم له ذكر ، وإنما دل عليه سبب الآية ، وذلك أن اليهود والنصارى قالوا : نحن أصحاب الجنة. وقال المشركون : لا نبعث. فقال : ليس بأمانيكم أي : ليس ما ادعيتموه بأمانيكم. وقرأ الحسن ، وأبو جعفر ، وشيبة بن نصاح ، والحكم ، والأعرج : بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ساكنة الياء ، جمع على فعالل ، كما يقال : قراقير وقراقر ، جمع قرقور.
(مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) قال الجمهور : اللفظ عام ، والكافر والمؤمن مجازيان بالسوء يعملانه. فمجازاة الكافر النار ، والمؤمن بنكبات الدنيا. فقال أبو بكر الصديق رضياللهعنه : لما نزلت قلت : يا رسول الله ما أشد هذه الآية جاءت قاصمة الظهر ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «إنما هي المصيبات في الدنيا» وقالت بمثل هذا التأويل عائشة رضياللهعنها. وقال به : أبي بن كعب ، وسأله الربيع بن زياد عن معنى الآية وكأنه خافها فقال له : أي ما كنت أظنك إلا أفقه مما أرى ، ما يصيب الرجل خدش أو غيره إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر. وخصص الحسن ، وابن زيد بالكفار يجازون على الصغائر والكبائر. وقال الضحاك : يعني اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب ، ورأى هؤلاء أن الله تعالى وعد المؤمنين بتكفير السيئات. وخصص السوء ابن عباس ، وابن جبير بالشرك. وقيل : السوء عام في الكبائر.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٢٢.