ومنزلة ، والإشارة بذلك إلى من ذكر من ظلمهم أن تطرد الضعفة ؛ انتهى. ولا ينتظم هذا التشبيه إذ يصير التقدير ومثل ذلك أي طلب الطرد (فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) والذي يتبادر إليه الذهن أنك إذا قلت : ضربت مثل ذلك إنما يفهم منه مثل ذلك الضرب لا إنه تقع المماثلة في غيره واللام في (لِيَقُولُوا) الظاهر أنها لام كي أي هذا الابتلاء لكي يقولوا : هذه المقالة على سبيل الاستفهام لأنفسهم والمناجاة لها ، ويصير المعنى ابتلينا أشراف الكفار بضعفاء المؤمنين ليتعجبوا في نفوسهم من ذلك ويكون سببا للنظر لمن هدى ومن أثبت أن اللام تكون للصيرورة ، جوز هنا أن تكون للصيرورة ويكون قولهم على سبيل الاستحقاق (وَهَؤُلاءِ) إشارة إلى المؤمنين و (مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي بزعمهم أن دينهم منه تعالى.
(أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) هذا استفهام معناه التقرير والردّ على أولئك القائلين أي الله أعلم بمن يشكر فيضع فيه هدايته دون من يكفر فلا يهديه ، وجاء لفظ الشكر هنا في غاية من الحسن إذ تقدم من قولهم : (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي أنعم عليهم فناسب ذكر الإنعام لفظ الشكر؟ والمعنى أنه تعالى عالم بهؤلاء المنعم عليهم الشاكرين لنعمائه وتضمن العلم معنى الثواب والجزاء لهم على شكرهم فليسوا موضع استخفافكم ولا استعجابكم. وقيل : بالشاكرين من منّ عليهم بالإيمان دون الرؤساء الذين علم منهم الكفر. وقيل : من يشكر على الإسلام إذا هديته. وقيل : بمن يوفق للإيمان كبلال ومن دونه. وقال الزمخشري : أي الله أعلم بمن يقع منه الإيمان والشكر فيوفقه للإيمان وبمن يصمم على كفره فيخذله ويمنعه التوفيق ؛ انتهى. وهو على طريقة الاعتزال.
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) الجمهور أنها نزلت في الذين نهى الله عن طردهم فكان إذا رآهم بدأهم بالسلام وقال : الحمد لله الذي جعل في أمتي من أبدأهم بالسلام. وقيل : الذين صوّبوا رأي أبي طالب في طرد الضعفة. وقال الفضيل بن عياض : قال قوم : قد أصبنا ذنوبا فاستغفر لنا فأعرض عنهم فنزلت. وقيل : نزلت في عمر حين أشار بإجابة الكفرة ولم يعلم أنها مفسدة ، وعلى هذه الأسباب يكون تفسير (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) فإن كان عنى بهم الستة الذين نهى عن طردهم فيكون من باب العام أريد به الخاص ويكون قوله (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أمرا بإكرامهم وتنبيها على خصوصية تشريفهم بهذا النوع من الإكرام وإن كان عنى عمر حين اعتذر واستغفر وقال : ما أردت بذلك إلا الخير كان من إطلاق الجمع على الواحد المعظم ، والظاهر أنه يراد به المؤمنون من غير تخصيص لا بالستة ولا بغيرهم وإنها استئناف إخبار من الله تعالى بعد تقصي خبر