وجاءت هذه الآيات عامة فاندرج أصحاب النازلة وهم قوم طعمة في ذلك العموم ، وهذا من باب الإيجاز والفصاحة ، لكون الماضي والمغاير تشملهما عبارة واحدة انتهى. وهذا الاستثناء منقطع إن كان النجوى مصدرا ، ويمكن اتصاله على حذف مضاف أي : إلا نجوى من أمر ، وقاله : أبو عبيدة. وإن كان النجوى المتناجين قيل : ويجوز في : من الخفض من وجهين : أن يكون تابعا لكثير ، أو تابعا للنجوى ، كما تقول : لا خير في جماعة من القوم إلا زيد إن شئت اتبعت زيد الجماعة ، وإن شئت اتبعته القوم. ويجوز أن يكون من أمر مجرورا على البدل من كثير ، لأنه في حيز النفي ، أو على الصفة. وإذا كان منقطعا فالتقدير : لكن من أمر بصدقة فالخير في نجواه. ومعنى أمر : حث وحض. والصدقة تشمل الفرض والتطوّع. والمعروف عام في كل بر. واختاره جماعة منهم : أبو سليمان الدمشقي ، وابن عطية. فيندرج تحته الصدقة والإصلاح. لكنهما جردا منه واختصا بالذكر اهتماما ، إذ هما عظيما الغذاء في مصالح العباد. وعطف بأو فجعلا كالقسم المعادل مبالغة في تجريدهما ، حتى صار القسم قسيما. وقيل : المعروف الفرض. روي ذلك عن ابن عباس ومقاتل. وقيل : إغاثة الملهوف. قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالصدقة الواجب ، وبالمعروف ما يتصدق به على سبيل التطوع انتهى. وفي الحديث الصحيح : «كلّ كلام ابن آدم عليه لا له إلا من كان أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو ذكر الله تعالى». وحدّث سفيان الثوري بهذا الحديث أقواما فقال أحدهم : ما أشد هذا الحديث! فقال له : ألم تسمع كل معروف صدقة ، وإنّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق. وقال الحطيئة :
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه |
|
لا يذهب العرف بين الله والناس |
وظاهر قوله : أو إصلاح بين الناس ، أنه في كل شيء يقع فيه اختلاف ونزاع. وقيل : هو خاص بالإصلاح بين طعمة واليهودي المذكورين. قال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : ذكر ثلاثة أنواع ، لأن عمل الخير إما أن يكون بدفع المضرة وإليه الإشارة بقوله : أو إصلاح بين الناس. أو بإيصال المنفعة إما جسمانيا وهو إعطاء المال ، وإليه الإشارة بقوله : بصدقة. أو روحانيا وهو تكميل القوة النظرية بالعلوم ، أو القوة العملية بالأفعال الحسنة ، ومجموعها عبارة عن الأمر بالمعروف ، وإليه الإشارة بقوله : أو معروف.
وقال الراغب : يقال لكل ما يستحسنه العقل ويعرفه معروف ، ولكل ما يستقبحه وينكره منكر. ووجه ذلك أنه تعالى ركّز في العقول معرفة الخير والشر ، وإليه أشار بقوله :