(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ الْإِثْمِ) عام في جميع المعاصي لما عتب عليهم في ترك أكل ما سمي الله عليه أمروا بترك (الْإِثْمِ) ما فعل ظاهرا وما فعل في خفية فكأنه قال : اتركوا المعاصي ظاهرها وباطنها قاله أبو العالية ومجاهد وقتادة وعطاء وابن الأنباري والزجاج. وقال ابن عباس : ظاهره الزنا. وقال السدي : الزنا الشهير الذي كانت العرب تفعله وباطنه اتخاذ الأخدان. وقال ابن جبير : ظاهره ما نص الله على تحريمه بقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) (١) الآية (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٢) الآية ، والباطن الزنا. وقال ابن زيد : ظاهره نزع أثوابهم إذ كانوا يطوفون بالبيت عراة وباطنه الزنا. وقيل : ظاهره عمل الجوارح وباطنه عمل القلب من الكبر والحسد والعجب وسوء الاعتقاد وغير ذلك من معاصي القلب. وقيل : ظاهره الخمر وباطنه النبيذ ، وقال مجاهد أيضا : ظاهره الزنا وباطنه ما نواه. وقال الماتريدي : الأليق أن يحمل ظاهر (الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) على أكل الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه ، وقال مقاتل : (الْإِثْمِ) هنا الشرك وقال غيره جميع الذنوب سوى الشرك ، وكل هذه الأقوال تخصيصات لا دليل عليها والظاهر العموم في المعاصي كلها من الشرك وغيره ، ظاهرها وخفيها ويدخل في هذا العموم كل ما ذكروه.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ) أي يكسبون الإثم في الدنيا سيجزون في الآخرة وهذا وعيد وتهديد للعصاة.
(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) قال السخاوي قال مكحول : وروي عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت مثل ذلك وأجاز ذبائح أهل الكتاب وإن لم يذكر اسم الله عليها ، وذهب جماعة إلى أن الآية محكمة ولا يجوز لنا أن نأكل من ذبائحهم إلا ما ذكر عليه اسم الله ، وروي ذلك عن علي وعائشة وابن عمر ؛ انتهى. ولا يسمى هذا نسخا بل هو تخصيص ولما أمر بأكل ما سمي الله عليه وكان مفهومه أنه لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه أكد هذا المفهوم بالنص عليه ، والظاهر تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه عمدا كان ترك التسمية أو نسيانا وبه قال ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وعبد الله بن يزيد الخطيمي وابن سيرين والشعبي ونافع وأبو ثور وداود في رواية. وقال أبو هريرة وابن عباس أيضا في رواية وأبو عياض وأبو رافع وعطاء وابن المسيب والحسن وجابر وعكرمة وطاوس والنخعي وقتادة وابن زيد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وربيعة ومالك في
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٢٣.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٢٢.