وتقدمت صفة الخيانة على صفة المآثم ، لأنها سبب للإثم خان فأثم ، ولتواخي الفواصل.
(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) الضمير في يستخفون الظاهر : أنه يعود على الذين يختانون ، وفي ذلك توبيخ عظيم وتقريع ، حيث يرتكبون المعاصي مستترين بها عن الناس إن اطلعوا عليها ، ودخل معهم في ذلك من فعل مثل فعلهم. وقيل : الضمير يعود على الصنف المرتكب للمعاصي ، ويندرج هؤلاء فيهم ، وهم أهل الخيانة المذكورة والمتناصرون لهم. وقيل : يعود على من باعتبار المعنى ، وتكون الجملة نعتا. وهو معهم أي : عالم بهم مطلع عليهم ، لا يخفى عنه تعالى شيء من أسرارهم ، وهي جملة حالية. قال الزمخشري : وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم عليه من قلة الحياء والخشية من ربهم ، مع علمهم إن كانوا مؤمنين أنهم في حضرته لا سترة ولا غفلة ولا غيبة ، وليس إلا الكشف الصريح والافتضاح انتهى. وهذا كقول الشاعر :
يا للعجاج لمن يعصي ويزعم إذ |
|
قد آمنوا بالذي جاءت به الرسل |
أتى بجامع إيمان لمعصية |
|
كلا أماني كذب ساقها الأمل |
أي أن المعصية كلا أماني كذب ساقها الأمل الاستخفاء : الاستتار. وقال ابن عباس : الاستحياء استحى فاستخفى ، إذ يبيتون ما لا يرضى من القول الذي رموا به البريء ، ودافعوا به عن السارق. والعامل في إذ العامل في معهم ، وتقدّم الكلام في التبييت.
(وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) كناية عن المبالغة في العلم. ولما كانت قصة طعمة جمعت بين عمل وقول : جاء وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ، فنبه على أنه عالم بأقوالهم وأعمالهم. وتضمن ذلك الوعيد الشديد والتقريع البالغ ، إذ كان تعالى محيطا بجميع الأقوال والأعمال ، فكان ينبغي أن تستر القبائح عنه بعدم ارتكابها.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) تقدم الكلام على ها أنتم هؤلاء ، وعلى الجملة بعدها قراءة وإعرابا في سورة آل عمران والخطاب للذين يتعصبون لأهل الريب والمعاصي ، ويندرج في هذا العموم أهل النازلة. والأظهر أن يكون ذلك خطابا للمتعصبين في قصة طعيمة ، ويندرج فيه