قال ابن الأنباري : وهذا شاذ لأنه لا يجوز أن يحذف الحرف إلا إذا كان ثم فارق بين الأخبار والاستخبار وإذا كانت خبرية فيستحيل عليه أن يكون هذا الإخبار على سبيل الاعتقاد والتصميم لعصمة الأنبياء من المعاصي ، فضلا عن الشرك بالله ، وما روي عن ابن عباس أن ذلك وقع له في حال صباه وقبل بلوغه وأنه عبده حتى غاب وعبد القمر حتى غاب وعبد الشمس حتى غابت فلعله لا يصح ، وما حكي عن قوم أن ذلك بعد البلوغ والتكليف ليس بشيء وما حكوا من أن أمه أخفته في غار وقت ولادته خوفا من نمروذ أنه أخبره المنجمون أنه يولد ولد في سنة كذا يخرب ملكه على يديه ، وأنه تقدّم إلى أنه من ولد من أنثى تركت ومن ذكر ذبحه إلى أن صار ابن عشرة أعوام ، وقيل : خمسة عشر وأنه نظر أول ما عقل من الغار فرأى الكوكب فحكاية يدفعها مساق الآية ، وقوله : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) وقوله : (تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) وتأول بعضهم ذلك على إضمار القول وكثيرا ما يضمر تقديره قال : يقولون هذا ربي على حكاية قولهم وتوضيح فساده مما يظهر عليه من سمات الحدوث ولا يحتاج هذا إلى الإضمار بل يصح أن يكون هذا كقوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) أي على زعمكم ، وقال الزمخشري : (هذا رَبِّي) قول من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه ، لأن ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة انتهى ، فيكون هذا القول منه استدراجا لإظهار الحجة وتوسلا إليها كما توسل إلى كسر الأصنام بقوله : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (١) فوافقهم ظاهرا على النظر في النجوم وأوهمهم أن قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) ناشئ عن نظره فيها.
(فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) أي لا أحب عبادة الآفلين المتغيرين عن حال إلى حال المنتقلين من مكان إلى مكان المحتجبين بستر فإن ذلك من صفات الأجرام وإنما احتج بالأفول دون البزوغ ، وكلاهما انتقال من حال إلى حال ، لأن الاحتجاج بالأفول أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب ، وجاء بلفظ الآفلين ليدل على أن ثم آفلين كثيرين ساواهم هذا الكوكب في الأفول فلا مزية له عليهم في أن يعبد للاشتراك في الصفة الدالة على الحدوث.
(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) لم يأت في الكواكب رأى كوكبا بازغا لأنه
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ٨٩.