مما اقترحوه رجاء إيمانهم ، وتلك الآية من إحدى الجهتين. وقال ابن عطية : وقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) إلزام الحجة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وتقسيم الأحوال عليهم حتى يتبين أن لا وجه إلا الصبر والمضيّ لأمر الله تعالى ، والمعنى إن كنت تعظم تكذيبهم وكفرهم على نفسك وتلتزم الحزن عليه فإن كنت تقدر على دخول سرب في أعماق الأرض أو على ارتقاء سلم في السماء ، فدونك وشأنك به أي إنك لا تقدر على شيء من هذا ، ولا بد من التزام الصبر واحتمال المشقة ومعارضتهم بالآيات التي نصبها الله للناظرين المتأملين إذ هو لا إله إلا هو لم يرد أن يجمعهم على الهدى ، وإنما أراد أن ينصب من الآيات ما يهتدى بالنظر فيه قوم بحق ملكه (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي في أن تأسف وتحزن على أمر أراده الله وأمضاه وعلم المصلحة فيه ؛ انتهى.
وأجاز الزمخشري وابن عطية أن تكون الآية التي يأتي بها هي نفس الفعل. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون ابتغاء النفق في الأرض أو السلم في السماء هو الإتيان بالآية كأنه قيل : لو استطعت النفوذ إلى ما تحت الأرض أو الترقي في السماء لعلّ ذلك يكون آية لك يؤمنون بها. وقال ابن عطية : (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) بعلامة ويريد : إما في فعلك ذلك أي تكون الآية نفس دخولك في الأرض وارتقائك في السماء وإما في أن تأتيهم بالآية من إحدى الجهتين ؛ انتهى. وما جوزاه من ذلك لا يظهر من دلالة اللفظ إذ لو كان ذلك كما جوزاه لكان التركيب فتأتيهم بذلك آية وأيضا فأي آية في دخول سرب في الأرض ، وأما الرقي في السماء فيكون آية. وقيل قوله (أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) إشارة إلى قولهم (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (١) وقوله : (أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) إشارة إلى قولهم : (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) (٢) وكان فيها ضمير الشأن ، والجملة المصدرة بكبر عليك إعراضهم في موضع خبر كان وفي ذلك دليل على أن خبر كان وأخواتها يكون ماضيا ولا يحتاج فيه إلى تقدير قد ، لكثرة ما ورد من ذلك في القرآن وكلام العرب خلافا لمن زعم أنه لا بدّ فيه من قد ظاهرة أو مقدرة وخلافا لمن حصر ذلك بكان دون أخواتها ، وجوزوا أن يكون اسمها إعراضهم فلا يكون مرفوعا بكبر كما في القول الأول وكبر فيه ضمير يعود على الإعراض وهو في موضع الخبر وهي مسألة خلاف ، وجواب الشرط محذوف لدلالة المعنى عليه وتقديره فافعل كما تقول : إن شئت تقوم بنا إلى فلان نزوره ، أي فافعل ولذلك جاء فعل الشرط بصيغة الماضي أو المضارع المنفيّ بلم لأنه ماض ، ولا يكون بصيغة المضارع إلا في الشعر.
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٠.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٣.