لا يحسن أن تقول : إن أكرمت أخي أخاك أكرمت. (قلت) : هو محذوف يدل عليه قوله : فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ، كأنه قيل : كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه. وقوله : فريقا كذبوا ، جواب مستأنف لسؤال قاتل : كيف فعلوا برسلهم؟ انتهى قوله : فإن قلت : أين جواب الشرط؟ سمي قوله كلما جاءهم رسول شرطا وليس بشرط ، بل كل منصوب على الظرف لإضافتها إلى المصدر المنسبك من ما المصدرية الظرفية ، والعامل فيها هو ما يأتي بعد ما المذكورة ، وصلتها من الفعل كقوله : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ) (١) كلما (أُلْقُوا فِيها) (٢) وأجمعت العرب على أنه لا يحزم بكلما ، وعلى تسليم تسميته شرطا فذكر أن قوله : فريقا كذبوا ينبو عن الجواب لوجهين : أحدهما : قوله : لأن الرسول الواحد لا يكون فريقين ، وليس كما ذكر ، لأن الرسول في هذا التركيب لا يراد به الواحد ، بل المراد به الجنس. وأي نجم طلع ، وإذا كان المراد به الجنس انقسم إلى الفريقين : فريق كذب ، وفريق قتل. والوجه الثاني قوله : ولأنه لا يحسن أن تقول إن أكرمت أخي أخاك أكرمت ، يعني أنه لا يجوز تقديم منصوب فعل للجواب عليه. وليس كما ذكر ، بل مذهب البصريين والكسائي أن ذاك جائز حسن ، ولم يمنعه إلا الفراء وحده ، وهذا كله على تقدير تسليم إن كلما شرط ، وإلا فلا يلزم أن يعتذر بهذا ، بل يجوز تقديم منصوب الفعل العامل في كلما عليه. فتقول في كلما جئتني أخاك أكرمت ، وعموم نصوص النحويين على ذلك ، لأنهم حين حصر ، وأما يجب تقديم المفعول به على العامل وما يجب تأخيره عنه قالوا : وما سوى ذلك يجوز فيه التقديم على العامل والتأخير عنه ، ولم يستثنوا هذه الصورة ، ولا ذكروا فيها خلافا. فعلى هذا الذي قررناه يكون العامل في كلما قوله : كذبوا ، وما عطف عليه ولا يكون محذوفا. وقال الحوفي وابن عطية : كلما ظرف ، والعامل فيه كذبوا. وقال أبو البقاء : كذبوا جواب كلما انتهى. وجاء بلفظ يقتلون على حكاية الحال الماضية استفظاعا للقتل ، واستحضارا لتلك الحال الشنيعة للتعجب منها قاله الزمخشري. ويحسن مجيئه أيضا كونه رأس آية ، والمعنى : أنهم يكذبون فريقا فقط ، وقتلوا فريقا ولا يقتلونه إلا مع التكذيب ، فاكتفى بذكر القتل عن ذكر التكذيب أي : اقتصر ناس على كذيب فريق ، وزاد ناس على التكذيب القتل.
(وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) قال ابن الأنباري :
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٥٦.
(٢) سورة الملك : ٦٧ / ٧.