المؤمنين ، وقد علم كل مؤمن أنه كاذب في ذلك ، فكان فعله ذلك موطنا أن يقول المؤمنون ذلك. وأما قراءة ويقول بالنصب ، فوجهت على أنّ هذا القول لم يكن إلا عند الفتح ، وأنه محمول على المعنى ، فهو معطوف على أن يأتي ، إذ معنى : فعسى الله أن يأتي ، معنى فعسى أن يأتي الله ، وهذا الذي يسميه النحويون العطف على التوهم ، يكون الكلام في قالب فيقدره في قالب آخر ، إذ لا يصح أن يعطف ضمير اسم الله ولا شيء منه. وأجاز ذلك أبو البقاء على تقدير ضمير محذوف أي : ويقول الذين آمنوا به ، أي بالله. فهذا الضمير يصح به الربط ، أو هو معطوف على أن يأتي على أن يكون أن يأتي بدلا من اسم الله لا خبرا ، فتكون عسى إذ ذاك تامة لا ناقصة ، كأنك قلت : عسى أن يأتي ، ويقول : أو معطوف على فيصبحوا ، على أن يكون قوله : فيصبحوا منصوبا بإضمار أن جوابا لعسى ، إذ فيها معنى التمني. وقد ذكرنا أنّ في هذا الوجه نظر ، أو هل هو تجري عسى في الترجي مجرى ليت في التمني؟ أم لا تجري؟ وذكر هذا الوجه ابن عطية عن أبي يعلى ، وتبعه ابن الحاجب ، ولم يذكر ابن الحاجب غيره. وعسى من الله واجبة فلا ترجى فيها ، وكلا الوجهين قبله تخريج أبي عليّ. وخرجه النحاس على أن يكون معطوفا على قوله : (بِالْفَتْحِ) (١) بأن يفتح ، ويقول : ولا يصحّ هذا لأنه قد فصل بينهما بقوله : أو أمر من عنده ، وحقه أن يكون (٢) بلعه لأن المصدر ينحل لأن والفعل ، فالمعطوف عليه من تمامه ، فلا يفصل بينهما. وهذا إن سلم أنّ الفتح مصدر ، فيحل لأن والفعل. والظاهر أنه لا يراد به ذلك ، بل هو كقولك : يعجبني من زيد ذكاؤه وفهمه ، لا يراد به انحلاله ، لأن والفعل وعلى تقدير ذلك فلا يصح أيضا ، لأن المعنى ليس على : فعسى الله أن يأتي ، بأن يقول الذين آمنوا كذا. ولأنه يلزم من ذلك الفصل بين المتعاطفين بقوله : (فَيُصْبِحُوا) (٣) وهو أجنبي من المتعاطفين ، لأن ظاهر فيصبحوا أن يكون معطوفا على أن يأتي ، ونظيره قولك : هند الفاسقة أراد زيد إذايتها بضرب أو حبس وإصباحها ذليلة ، وقول أصحابه : أهذه الفاسقة التي زعمت أنها عفيفة؟ فيكون وقول معطوفا على بضرب. وقال ابن عطية : عندي في منع جواز عسى الله أن يقول المؤمنون نظر ، إذ الذين نصرهم يقولون : ننصره بإظهار دينه ، فينبغي أن يجوز ذلك انتهى. وهذا الذي قاله راجع إلى أن يصير سببا لأنه صار في الجملة
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٥٢.
(٢) هكذا وجدت هذه الكلمة بالنسخ التي بأيدينا وكذا جميع النسخ المقابلة عليها هذه النسخة ولم نعرف لها معنى فلتحررا ه. مصححة.
(٣) سورة المائدة : ٥ / ٥٢.