وقيل : أنساهم نصيبا من الكتاب بسبب معاصيهم ، وعن ابن مسعود : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية ، وتلا هذه الآية. وقال الشاعر :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي |
|
فأومأ لي إلى ترك المعاصي |
وقيل : تركوا نصيبهم مما أمروا به من الإيمان بالرسول وبيان نعته.
(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) أي هذه عادتهم وديدنهم معك ، وهم على مكان أسلافهم من خيانة الرسل وقتلهم الأنبياء. فهم لا يزالون يخوفونك وينكثون عهودك ، ويظاهرون عليك أعداءك ، ويهمون بالقتل بك ، وأن يسموك. ويحتمل أن يكون الخائنة مصدرا كالعافية ، ويدل على ذلك قراءة الأعمش على خيانة ، أو اسم فاعل ، والهاء للمبالغة كراوية أي خائن ، أو صفة لمؤنث أي قرية خائنة ، أو فعلة خائنة ، أو نفس خائنة. والظاهر في الاستثناء أنه من الأشخاص في هذه الجملة ، والمستثنون عبد الله بن سلام وأصحابه قاله : ابن عباس. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون في الأفعال أي : إلا فعلا قليلا منهم ، فلا تطلع فيه على خيانة. وقيل : الاستثناء من قوله : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) (١) والمراد به المؤمنون ، فإنّ القسوة زالت عن قلوبهم ، وهذا فيه بعد.
(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ظاهره الأمر بالمعروف والصفح عنهم جميعهم ، وذلك بعث على حسن التخلق معهم ومكارم الأخلاق. وقال ابن جرير : يجوز أن يعفو عنهم في غدرة فعلوها ما لم ينصبوا حربا ، ولم يمتنعوا من أداء جزية. وقيل : الضمير عائد على من آمن منهم ، فلا تؤاخذهم بما سلف منهم ، فيكون عائدا على المستثنين. وقيل : هذا الأمر منسوخ بآية السيف. وقيل : بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (٢). وقيل : بقوله : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) (٣) وفسر قوله : يحب المحسنين ، بالعافين عن الناس ، وبالذين أحسنوا عملهم بالإيمان ، وبالمستثنين وهم الذين ما نقضوا العهد والذين آمنوا وبالنبي عليهالسلام لأنه المأمور في الآية بالصفح والعفو.
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ). الظاهر أنّ من تتعلق بقوله : أخذنا وأنّ الضمير في ميثاقهم عائد على الموصول ، وأنّ الجملة معطوفة على قوله : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٤) والمعنى : أنه تعالى أخذ من النصارى ميثاق أنفسهم وهو
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ١٣.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٢٩.
(٣) سورة الأنفال : ٨ / ٥٨.
(٤) سورة المائدة : ٥ / ١٢.