ومن المسلمين أيضا أقسام في الجهة الغربية والغربية الشمالية من المملكة ، فمنهم المجتمع والمفترق ، وتسلطت على ممالكهم دولة الصين ولا يزالون ينتهزون الفرص للخروج عنها فتارة يتمكنون من ذلك وتارة تعود للإستيلاء عليهم ، مثل مملكة «كاشغار» في الجهة الشمالية الغربية فقد استقلت تحت ملك في عشرة الثمانين ومائتين وألف ، وهو الأمير يعقوب خان الذي ولد في جوار «تشقند» وحصّل العلوم في «سمرقند» ، واشتهر في أعظم مدارس بخارى مع مهارة في السياسة أهلته لأن يكون مشيرا مطاعا عند أمير «خوقند» ، وأرسله حاميا لمهاجمات الروس على قلعة «اكمتشيت» ، ثم توجه إلى «كاشغار» للحرب مع الصينيين وحصل على انتصار عظيم أورث له شهرة وثقة من المسلمين به هناك ، وطمع في تعويض مملكة سلطنة الصين بمملكة إسلامية وكسر لهم جيشا فيه أزيد من مائة ألف مقاتل واستولى على جهات معتبرة حتى ارتعدت منه مملكة الصين في سنة (١٢٩٣ ه).
وحيث كان بين عدوين مال إلى مسالمة الروسيا وعقد معها معاهدة تجارية ورام أحكام وحدة الإسلام ، فبايع بالخلافة للسلطان العثماني وتلقبه الدولة العثمانية بالأمير أدبا مع الخليفة ، وجلب هو من قاعدة الخلافة معلمين للفنون الحربية والصناعات الهندسية ونظم الجيوش فاخترمته المنية قبل رسوخ المملكة وتناحر بنوه وقسموا المملكة فانتهزت دولة الصين الفرصة واستولت على الجميع وإلى الآن أحوالها مخضرمة.
وهكذا أنشأت دولة إسلامية في أواسط الصين بميل إلى الغرب تحت سلطنة رجل يسمى السلطان سليمان ، في حدود السنين المذكورة ، وجعل قاعدة مملكته مدينة «طليفة» وإنشاء السلاح في ممالكه وطلب التعرف به من الدول وأنه متسلطن على نحو الستين مليونا من مسلمين وغيرهم فلم يكن إلا حلما وانتزعت منه السلطنة.
ومن عجائب مملكة الصين السور العظيم الذي يبتدىء من الشطوط الشرقية ويمرّ ممتدا بوسط المملكة إلى حيث العرض أربعين درجة شمالية والطول تسعة وتسعين شرقيا ، فمجموع طوله نحو ألف ومائتين وخمسين ميلا ، وسمكه من الأسفل نحو خمسة وعشرين قدما ومن أعلى نحو خمسة عشر قدما ، وارتفاعه ما بين خمسة عشر إلى عشرين قدما ، وفي أماكن منه حصون يبلغ ارتفاع بعضها إلى أربعين قدما ، وهو مبني بالحجارة والآجر والقرميد وبعض أماكن طين فقط ، بناه بعض ملوكهم قبل التاريخ المسيحي بنحو مائتي سنة وعشرين سنة قاصدا به ردّ المهاجمات على المملكة الصينية الأصلية من المنغول والقبائل الشمالية ولم يجده نفعا إذ هم الذين تسلطوا على المملكة والسور الآن خراب في جهات كثيرة ، وقد غلط من توهمه السد الذي بناه «ذو القرنين» لمنع فساد «يأجوج ومأجوج» محتجا على ما يقول بأن ليس في الأرض سور ذو عظمة غير ذلك ، ورد قوله ظاهر لأن الصفات المذكورة في القرآن للسد (١) غير الصفات التي عليها ذلك السور ، ثم إن صفات يأجوج
__________________
(١) راجع سورة الكهف الآيات (٨٥ ـ ٩٨).