الأخير من النادر في الفرسان. ومنهم من يلعب في دائرة لا يتجاوز قطرها عشرة أذرع والحصان في حالة الرباع بل رأيت من يركب على حصانه ويركز الحصان رجليه في الأرض ويرفع يديه معا ويلتفت يمينا فيطلق فارسه القرابينة ثم يرفع يديه كذلك ويلتفت شمالا فيطلق فارسه القرابينة أيضا ، والحال أنه عمرها في حصة رفع الحصان يديه ويستمر ذلك كذلك بالتتابع نحو نصف ساعة وليس بين الطلقة والطلقة إلا بضع ثوان من الدقائق الزمانية على غاية من السرعة والتتابع وهذا أيضا نادر ومنهم من يخترط السيف ويصير مع راجل أو فارس مثله في غاية الطعان والكر والفر.
والحاصل أنهم يشخصون حالات الحرب بالخيل على أنواع شتى وتكون إذ ذاك طبول الحرب تعزف ومعها مزامير للعربان وذلك أعظم ألعاب الأهالي التي يفتخر بتعليمها ويتبادرون في إتقانها ، وذلك مبني على أمر ديني وهو ما ورد من أن كل لهو حرام إلا ثلاث منها : «ملاعبة الفارس لفرسه» (١) وورد أيضا الحث على الفروسية (٢) وعلى السباق وأبيح فيه المخاطرة إذا كانت مع ثالث ، فلذلك كانت هاته الخلة مما يتنافس فيها من رجال الحكومة وغيرهم في جميع القطر ، لكن في هاته المدة الأخيرة تناقص الأمر منذ كثرت الكراريس وربما صار الكبراء يتنزهون عن اللعب بخيلهم جهرة ، نعم بقي ركوب الخيل مرغوب فيه كما أن الصفات الأولى لا زالت عامة في البلدان والأعراب وهو الحق ، لأنها من صفات الرجولية والدين ومما يشملها قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) [الأنفال : ٦٠]. وهاته الخلة تستلزم الرماية التي هي من مشمولات القوة المأمور بها في الآية الكريمة ، وقد تجرد منها أغلب أهل الحاضرة حتى أن بعضهم لا يكاد يستطيع أن يطلق طبانجة كما أنه لا زال في الحاضرة وبعض البلدان تعليم الخيل والبغال من نوع الهملجة وهي أن يرفع الحيوان يدا ورجلا معا من أحد شقيه على الإستقامة ثم الشق الآخر ليكون سيرها لينا لا يتعب الراكب بخلاف الخبب ، ثم يتقنون ذلك التعليم إلى أن يصير الحيوان به يماري الراكض ، ولهم في ذلك اعتناء بحيث تجد منهم جماعات يخرجون كل عشية صيفا وخريفا إلى حد الأماكن القريبة من الحاضرة النزهة كسيدي فتح الله قرب شوشة رادس أو منوبة في قهوة سيدي ابن الأبيض أو سبالة الأحواش ، وبعد الإستراحة هناك يركبون ويتسابقون بالسير المذكور ، وربما اعتنى بعض غير الأعيان حتى بالمسابقة على الحمير بالسير وقد يوجد بعض منها يسابق الخيل والبغال مع أن هاته يمكن أن تجاري الحصان في ركضه إذا لم يكن شديد الجري ، والخيل على
__________________
(١) الحديث في الدر المنثور للسيوطي ٣ / ١٩٣.
(٢) أحاديث السبق والرهان والحث على الفروسية كثيرة راجع صحيح البخاري كتاب الجهاد باب (٥٦) والترمذي أيضا باب (٢٢) والنسائي الخيل (١٤) وابن ماجه جهاد (٤٤) وأحمد بن حنبل في مسنده ٢ / ٢٥٦ وأبو داود جهاد (٦٠).