مصالح عديدة ومن أعظمها قطع مادة الرشا وبيع الوظائف الذي هو أساس العدل حتى نمت المكاسب وانكفت أيدي المتوظفين إلا ما كان على وجه الإختلاس مما لا يمكن التحرز منه ، ولم يرفع أمره إليه أو لم ينتبه بواسطة من الوسائط إليه ، بحيث يقال في مدة ولايته في القطر أن حكومته استبدادية عادلة ناحية منحى الشورى ، لأن أغلب ما مر ذكره من الخصال كان يعقد له لجنات من أعيان الأهالي أو أعيان المتوظفين أو العلماء والأغلب أن تكون تحت رياسته ، ولا يتمم أمرا إلا بعد التوافق والتدبير فيه. وأحبته الأهالي واعترفوا بفضله سيما وقد أتاهم بعد شدائد مر ذكرها.
حتى أنه لما أتم امتحان تلامذة المدرسة الصادقية في السنة الأولى ورأى أباؤهم ما لم يعهدوه في التعليم ، أظهروا ممنونيتهم وشكرهم بأن اتخذوا مصحفين كريمين وجعلوا لهما سفرين فاخرين وكتبوا على الأول منهما : بالياقوت الأبيض على إحدى الدفتين المحفوظ بالسور والآي ، وعلى الثانية محمد الصادق باي ، وعلى الثاني منهما : بالياقوت الأبيض أيضا على إحدى الدفتين الناصح الأمين ، وعلى الثانية الوزير خير الدين ، وذلك اللقب هو الذي جرى التعارف في إطلاقه عليه عند أغلب الأهالي ودفع ثمن ذلك آباء التلامذة من أنفسهم كل على قدر ثروته ، فمنهم من دفع ريالا واحدا وهو ما في وسعه وتكدر إن لم يؤخذ منه ، ومنهم من دفع عدة آلاف ، وأهدوا المصحفين للوالي وللوزير مع خطبة مفصحة عن الباعث على ذلك وهو نتائج المعارف لأبنائهم ، ثم بعد سنتين اجتمع أعيان من التجار البلدية وغيرهم من أعيان العربان وبعض أصحاب الأملاك المثرين وصنعوا في لندرة مكتبة ، أي مائدة للكتابة من خشب رفيع مذهبة وملونة وأدواتها من ذهب وعليها ميزان إشارة إلى العدل ، وكتب عليها إسم الوزير خير الدين وأهدوها في رأس العام إلى الوزير المذكور مع خطبة مفصحة عن الباعث ، وهو ما حصل من ثمرة أعماله في عموم القطر حتى ازدادت الثروة وغلت أسعار الملك وراجت التجارة ، وهكذا كانت علقة سياسته في الخارج على سلم وهناء ولم يحدث مع إحدى الدول أدنى صعوبة ولا ظهر من أحد القناسل تشدد في نازلة ما من متعلقات دولهم ورعاياهم ، مع أن بعضهم كان ينفر من ذاته لصحبة أو منفعة له من الوزير السابق ، ومع ذلك لم يجد شيئا يستند إليه في إنشاء صعوبة أو تعكير هناء ، ولم يعترض على ما حدث مدة ولايته في الداخل أو الخارج إلا ما يأتي بيانه.
وهو إعطاء منحة لشركة فرنساوية في إحداث طريق حديدية من حاضرة تونس إلى الجهة الغربية ، فانتقم هذا العمل بأن سياسة فرنسا في تونس معروفة وذلك الطريق يؤل إلى تسهيل استيلائها على البلاد ، وهنا العقول على فرقتين : فبعضهم يرى السهولة من تسهيل نقل العساكر من الجزائر إلى تونس في أقرب وقت ، ومنهم من يراها بالتسهيل المعنوي وهو زيادة النفوذ والإختصاص بالمتجر ، بل يقول بعض الإنكليزيين أن مراسي تونس تصير خالية وتصير عنابه أي بونة هي مرسى تونس وهي فرنساوية ، وذلك لأن السلع التي توسق من تونس لا تدخل إلى فرنسا إلا بأداء بليغ عليها في مراسي فرنسا بخلاف ما يوسق من مرسى