الخ». ثم عرض للوزير المذكور في أثناء سفرته المذكورة هروب ابن عياد وتكليف الوالي أحمد باشا الوزير المذكور بخصامه ، فدام في خصامه سنين مبدأها من سنة ١٢٦٩ ه ومنتهاها سنة ١٢٧٣ ه. ونجح في عمله بما تقدم شرحه عند الكلام على ولاية أحمد باشا ، ورأيت بخط الوزير أحمد بن أبي الضياف في ذلك ما نصه : «ولو تم مراد ابن عياد ووجد من خير الدين إذنا صاغية لمواعيده لكانت المملكة في أسره لوقتنا هذا لكثرة ما بيده من الأوامر والرسوم إلى أن قال لو لا تدارك لطف الله على يد خير الدين الخ».
ثم في سنة ١٢٧٢ ه قدم الوزير خير الدين من فرنسا لتهنئة الوالي محمد باشا ، فأكرم مقدمه وعرف له نصحه في النوازل المذكورة ، ورقاه إلى رتبة الفريق وعاد لإتمام الخصومة المذكورة ، فولاه محمد باشا وهو غائب وزارة البحر لموت صاحبها محمود كاهية سنة ١٢٧٣ ه ، وعند انبرام الحكم على ابن عياد رجع الوزير خير الدين إلى تونس واعتنى بمباشرة وزارته مع اعتماد الوالي عليه في الإستشارة ، فحسن حالة حلق الوادي التي هي أعظم مرسى في القطر بما استطاع ، ورتب هيئة خدمة الوزارة بتقييد المكاتيب الصادرة ، وضبط جميع الحركات اليومية في دفتر ، وكان أول من عرف ذلك في القطر ، وكانت الأمور تجري بلا ضبط وجعل إتفاقا مع الأجانب الذين استولوا على أكثر أراضي تلك البلاد بلا وجه ، فجعل معهم الاتفاق على ثلاثة أوجه فمن كانت بيده حجة من الوالي في الإذن بالبناء جعل له قيمة كراء الأرض خاوية سنويا على حسب الكراء المؤبد ولورثته ميراثها من بعده ، ومن كانت بيده حجة في البناء من خصوص وزير البحر فقط فله إبقاء البناء مدة حياته لخصوص ذاته ومن بعده ترجع للحكومة وإن امتنع قلع بناؤه أو تراضى مع الحكومة في شراء الأرض أو كرائها ، ومن لم تكن بيده حجة لزمه التوافق مع الحكومة أو قلع بنائه ، ووافقه على ذلك قناسل الدول وحصل من ذلك نفع كثير ، وتحصل من الكراء المؤبد ما هو وقف الآن على جامع حلق الوادي وقائم به أحسن قيام ، ثم أحدث معملا بخاريا لما تحتاج إليه السفن من الأدوات الحديدية والخشبية وأبدل الجسر الذي كان على الخليج بجسر حسن متين ، وأوسع الطرق ونظمها وبنى مجلا لإدارة الوزارة حسنا وجعل أمامه بطحاء وحسن لباس العساكر البحرية ، ثم لما أنشأ عهد الأمان كان الوزير المذكور فارس ميادين أنشأ القوانين لميله للحرية والعدل ، وكان المجلى في مضمارها بتدابيره وفصاحته وعدم استحيائه من الحق ، حتى أن الوالي المذكور لما أراد جلب ماء زغوان وجمع رجال حكومته واستشارهم وكان أغلبهم ذاهبا إلى عدم الموافقة ، فأجابهم الوالي : بأني أعطيت كلمتي للقنسل بالموافقة على جلبه ، فتنفس الوزير خير الدين وقال : أي فائدة لجمعنا حيث أعطيت كلمتك وحسبنا سماع هذا الخبر من سيادتكم ، كذا رأيته بخط كاتب أسرارهم الوزير أحمد ابن أبي الضياف.
ولما ولي على القطر محمد الصادق باشا أرسل الوزير خير الدين المذكور إلى الدولة العلية لطلب فرمان الولاية على العادة واستقبله استقبالا حسنا وقضى مأموريته ، ولما أنجز