لمّا رجع من خيبر إلى المدينة وقد فتح الله عليه جائته امرأه من اليهود وقد أظهرت الإيمان ومعها ذراع مسمومة مشويّة وضعتها بين يديه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما هذه؟ قالت له : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، كان لي حمل وعلمت أنّ أحبّ الطعام إليك الذراع المشويّ فنذرت لله لئن سلّمك الله منهم لأذبحنّه ولأطعمنّك من شواء ذراعيه ، والآن لقد سلّمك الله منهم وأظفرك عليهم وقد جئتك بنذري.
وكان مع رسول الله البراء بن معرور فمدّ يده وأخذ منه لقمة فوضعها في فيه ، فقال عليّ بن أبي طالب : يا براء ، لا تتقدّم على رسول الله ، فقال البراء ـ وكان أعرابيّا ـ : يا عليّ ، كأنّك تبخّل رسول الله! فقال عليّ : ما أبخل النبيّ صلىاللهعليهوآله ولكنّي أبجّله وأوقّره ليس لي ولا لك ولا لأحد من خلق الله أن يتقدّم رسول الله بقول ولا فعل ولا أكل وشرب. فقال البراء : أما أبجّل رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ قال عليّ : ما لذلك قلت ولكن هذه هديّة جائت بها يهوديّة تظهر الإسلام ولسنا نعرف حالها فإذا أكلته بأمر رسول الله فهو الضامن لسلامتك منه ، وإذا أكلته بغير إذنه وكلك إلى نفسك. وكان عليّ بن أبي طالب يقول هذا والبراء يلوك اللقمة.
وإذا أنطق الله الذراع وقالت : يا رسول الله ، لا تأكلني فإنّي مسمومة ، فسقط البراء في سكرات الموت ولم يرفع إلّا ميّتا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ايتوني بالمرأة ، فأتي بها ، فقال : ما حملك على ما صنعت؟ فقالت : وترتني وترا عظيما ؛ قتلت أبي وإخوتي وعمّي وابني ، ففعلت هذا وقلت : إن كان ملكا فأنتقم منه وإن كان نبيّا كما يقول فيمنعه الله منه ويحفظ ولن يضرّه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أيّتها المرأة لقد صدقت ، ثمّ قال لها رسول الله : لا يغرّك موت البراء فإنّما امتحنه الله لتقدّمه بين يدي رسول الله ولو كان بأمر رسول الله يأكل لكفي شرّ سمّه ، ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أدع لي فلانا وفلانا ، وذكر قوما من أصحابه فيهم سلمان وأبوذر والمقداد وعمّار وبلال وصهيب ، وقال : أقعدوا وتحلّقوا