فو الله لقد خيّلت أنّ حيطان البيت قد سار بي وذهب عنّي كلّ ما كان عليّ وبي من الهلع ، وقد أتى بأعمال وأشغال وألحان ما سمعتها ، فقلت له : من أين تعلّمت هذا الفنّ؟ قال : كنت ملازما لإسحاق بن إبراهيم الموصلي فتعلّمت منه ، فسألته أن يغنّيني ، فغنّى :
وما ضرّنا إلّا القليل وجارنا |
|
عزيز وجار الأكثرين ذليل |
وإنّا لقوم لا نرى القتل سبّة |
|
إذا ما رأته عامر وسلول |
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنا |
|
وتكرهه آجالنا وتطول |
فلمّا أردت الخروج من منزله إلى منزل آخر أعطيته صرّة من الدنانير وقلت له : اصرفها في مصالحك ، فقال : إنّ هذه الحالة لعجيبة ، إنّي أريد أن أفديك بكلّ ما عندي وأنت تريد أن تنعم عليّ! كلّا وحاشا ، لا أقبل منك ذلك وما آخذ شيئا ، وأخذني من ذلك إلى منزل آخر وضعني فيه إلى أن فرّج لي الله.
وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة عشر ومأتين : في ربيع الأوّل أخذ إبراهيم المهدي وهو منقّب مع امرأتين وهو في زيّ امرأة ، أخذه حارس أسود ليلا ، فقال : من أنتنّ وأين تردن هذا الوقت؟ فأعطاه إبراهيم خاتم ياقوت كان في يده وكان له قدر عظيم ليخلّيهنّ ولا يسألهنّ ، فلمّا نظر الحارس الخاتم استراب بهنّ ، وقال : خاتم رجل له شأن ، فرفعهنّ إلى صاحب المسلحة فأمرهنّ أن يسفرن ، فامتنع إبراهيم ، فجذبه فبدت لحيته ، فدفعه إلى صاحب الجسر فرفعه فذهب به إلى باب المأمون وأعلمه به ، فأمره بالاحتفاظ به إلى بكرة. فلمّا كان الغد أقعد إبراهيم في دار المأمون والمقنعة التي تقنّع بها في عنقه والملحفة على صدره ليراه بنو هاشم والناس ويعلمون كيف أخذ.
وقال ابن عساكر في تاريخ الشام في ترجمة إبراهيم هذا : إنّه كان معروفا بابن شكله الهاشمي (وشكله اسم أمّه) ولّاه أخوه الرشيد إمرة دمشق فقدمها ثمّ عزله