بها الشيعة لا تختصّ بهم ولم ينفردوا بها بل هو أمر من ضرورة العقول وعليه جبلّة الطباع وغرايز البشر وشريعة الإسلام في أسس أحكامها وجوهريّات مشروعيّاتها تماشي العقل والعلم جنبا إلى جنب ، وكتفا إلى كتف ، رائدها العلم ، وقائدها العقل ، ولا تنفكّ عنهما قيد شعرة.
ومن ضروريّات العقول وغرائز النفوس أنّ كلّ إنسان مجبول على الدفاع عن نفسه المحافظة على حياته وهي أعزّ الأشياء عليه وأحبّها إليه ، نعم قد يهون بذلها في سبيل الشرف وحفظ الكرامة وصيانة الحقّ ومهانة الباطل ، أمّا في غير أمثال هذه المقاصد الشريفة والغايات المقدّسة فالتغرير بها وإلقاؤها في مظانّ الهلكة ومواطن الخطر سفه وحماقة لا يرتضيه عقل ولا شرع ، وقد أجازت شريعة الإسلام المقدّسة للمسلم في مواطن الخوف على نفسه أو عرضه إخفاء الحقّ والعمل به سرّا ريثما تنصر دولة الحقّ وتغلب على الباطل كما أشار إليه جلّ شأنه بقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً)(١) وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)(٢) ، وقصّة عمّار وأبويه وتعذيب المشركين لهم ولجماعة من الصحابة وحملهم لهم على الشرك وإظهارهم الكفر مشهورة.
والعمل بالتقيّة له أحكام ثلاثة : فتارة يجب كما إذا كان تركها يستوجب تلف النفس من غير فائدة ، وأخرى يكون رخصة كما لو كان في تركها والتظاهر بالحقّ نوع تقوية له فله أن يضحّ بنفسه وله أن يحافظ عليها ، وثالثة يحرم العمل بها كما لو كان ذلك موجبا لرواج الباطل وإضلال الحقّ وإحياء الظلم والجور.
ومن هنا تنصاع لك شمس الحقيقة ضاحية ، وتعرف أنّ اللوم والتعيير بالتقيّة إن
__________________
(١) آل عمران : ٢٨.
(٢) النحل : ١٠٦.